تتوارث أجيال هذا الوطن منذ ما يزيد على قرن من الزمان، الحفاظ على ما ورثه جيل البناة وقادة التأسيس من كل أطراف أغلب مساحة شبه جزيرة العرب، الحفاظ على أهم المكتسبات في التاريخ الحديث، حينما تداعى الخيرون التفافاً حول القائد الملك عبدالعزيز - رحمه الله -، الذي قاد التحول من وضع التشرذم والانفصال فيما كان من كيانات سياسية أرهقت الناس والأرض بالقتل والاقتتال؟ سئم الناس كل أوضاع الضياع السياسي والاجتماعي والأمان، كيف لا وهم في أرض جعلها الله قبلة ومهوى أفئدة من الناس، لذلك كان الوجد في العودة إلى مسارات المجد، والجد في العمل من أجل إعادة الوجه الحضاري الذي غيبته سنوات من الغياب السياسي منذ أفول الخلافة إلى بلدان الخصيب، وما تلاه من النسيان للإنسان والأرض عقوداً طويلة، اللهم إلا من حج الناس تحت ظلال الخوف والإرهاب. الأجيال اليوم التي تلاحقت، لم تعرف الملك المؤسس أو تعايش نضالات الأجداد من أجل الاتحاد، لكنها تستذكر حال ما تنعم به من أمن وقرار سياسي واجتماعي. لعل استشعار القيادة السياسية اليوم لمعاني إرث الأجيال هو ما سبق أن تم التأكيد عليه من قيادة وطننا في طروحات رؤية 2030 "أن المنطلق الأساس في تناول المملكة لشؤونها الداخلية والخارجية هو الإسلام عقيدة وشرعاً ومنهجاً ومقاصد، وترسيخ قيم الإسلام في العدل والمساواة والتكافل والتسامح وحق الإنسان في الحياة الكريمة وفي الحرية وحق الناس في الاختلاف في حدود المباح في الشرع". هذا منطلق سياسي جاء وفق متطلبات الواقع المعاش، وقدر بلادنا أنها قطب استقطاب ديني واقتصادي ضمن أقوى عشرين دولة في العالم، ولا بد من توافق مع مقاصد وتوجهات تحفظ لنا مكاناً صرنا إليه بعزم واقتدار، ومقامات نتطلع إليها بالانفكاك من عزلة بسبب ما يراه بعض الغلاة في شأن الاختلاف. لقد توارثنا في هذا الوطن، ثقافة الاختلاف فكرياً في تناول الطروحات والأفكار، لكن حب الوطن لم يخرجنا من دائرة المباح المتاح، رغم أنف الغلاة والصوتيين. فالاختلاف لا يفسد الولاء للوطن. أنا أختلف ولا أخالف، أنا أحترم كل من يختلف معي، لكن لا أتنازل عن وطنيتي. وهكذا هم السعوديون.