مع انتهاء موسم الإجازات وعودة سكان المدن للحركة الصباحية، يلاحظ التكدس السكاني الكبير والازدحام المروري المتضاعف في المدن الكبرى فبعض الطرقات والشوارع غدت وكأنها مواقف للسيارات جراء الازدحام والكثافة المرورية العالية. من الواضح أن سياسات أو استراتيجيات التخطيط الإقليمي التي سبق أن تم إعدادها واعتمادها لمناطق المملكة لم تحقق أهدافها وما هو مؤمل منها في إيجاد تنمية متوازنة بين مدن ومحافظات المناطق المختلفة وخلق هجرة عكسية من المدن الكبرى نحو المدن المتوسطة والأقل حظاً في النمو وهذا يتضح جلياً من استمرار الحاجة والاعتماد على المدن الكبرى في توفير الخدمات وفرص التوظيف والاقتصاد وبالتالي استمرار النمو والتوسع السكاني والعمراني. التخطيط الإقليمي هو مستوى من مستويات التخطيط ويعول عليه كثيراً في التعامل مع مكونات المناطق وخصائصها المختلفة، وتعتمد الكثير من الدول على هذا المستوى من التخطيط خصوصاً إذا اتسعت المساحة العمرانية للمدن وزاد عدد وكثافة السكان، بحيث يساعد في تعزيز الميز النسبية واقتصاديات المدن المتوسطة والصغيرة وفق الإمكانات والموارد المتاحة وتعظيم نقاط القوة وتقليص نقاط الضعف من خلال تبني البرامج والمشروعات الملائمة لواقعها وإمكاناتها لتحقيق تنمية مكانية وجذب هجرة سكانية معاكسة نحوها. نعم أعدت الاستراتيجيات والمخططات الإقليمية لكن مستوى التنفيذ لم يتواكب مع ما تم إعداده من خطط وظلت المدن الكبرى مهيمنة بسبب استمرار التركيز وتوجيه المشروعات التنموية والخدمية نحوها، على الرغم من نجاح قطاع التعليم العالي في نشر الجامعات والكليات التي تم إنشاؤها بمحافظات ومدن مختلفة في جذب هجرة سكانية إليها لكن منظومة الخدمات والمرافق وفرص الاقتصاد والعمل ما زالت بحاجة إلى مزيد من الدعم والتطوير، وقد نكون بحاجة إلى قرارات تنموية جريئة في إيقاف ضخ المشروعات التنموية الموجهة نحو المدن الكبرى وتحويلها إلى المدن المتوسطة، بالإضافة إلى نقل بعض الأنشطة القائمة في المدن الكبرى والتي تثقل كاهلها وتستهلك بنيتها نحو المدن التي تتواءم وتتناسب تلك الأنشطة مع إمكاناتها ووظيفتها المكانية، بالإضافة إلى أهمية تطوير ورفع مستوى الكفاءات الإدارية العاملة في المدن المتوسطة والصغير لقيادة التنمية في كافة القطاعات بتلك المدن.