أجواء إيجابية وآمنة ولا تتأثر مع الاضطرابات، هذا ما يبحث عنه المستثمرون السعوديون والخليجيون دائماً، وهذا ما تفتقده تركيا الآن. عندما خسر المستثمرون في تركيا -خلال سنتين- 30% من قيمة العقار بسبب انخفاض العملة، كانت رشة من الماء البارد على أوجههم، أيقظتهم من مخاطر الاستثمار في تركيا، وبات من الواضح للجميع خطر الاستثمار في تركيا، فكان ولابد من محاولة للهرب وبأقل الخسائر، في ضل وجود توترات وتذبذب في الليرة التركية في آخر سنتين. وأصبحت المخاطر عاملاً رئيسياً في عزوف المستثمرين عن تركيا، وذلك لأنه لا يمكن اعتبارها مخاطر أو ظروف وقتية، بل هي نتاج سياسة أردوغان الاقتصادية، والتي يتضح أنّها لن تتوقف عن قيادة الأوضاع للأسوأ. وكان لتدخلات الحزب الحاكم تأثير كبير على السوق التركية وحرية الاستثمار، حتى تكاد أن تنزع الثقة في نظام الاقتصاد برمته، والذي عانى كثيراً من تدخل أردوغان فيه، بما يراه مناسباً ويخدم توجهاته ومصالحه وحزبه، ومن ذلك ما فعله مع البنك المركزي، حتى هدم استقلاليته، وبات شائعاً أنّ البيئة الاستثمارية في تركيا أصبحت سلبية وغير جاذبة للاستثمار. ولم يقتصر الموضوع على تدخلات أردوغان وحزبه في الاقتصاد التركي، بل كان من أكبر المخاطر هي المشاكل والنزاعات التي يخلقها أردوغان مع حلفائه ودول الجوار، فالصدام مع الدول العظمى له مخاطر ونتائج سلبية على الاقتصاد.، وعندما تكون في حلف الناتو فمن الخطأ أن تتصادم مع الولاياتالمتحدة، الأمر الذي يتسبب بخسائر كبيرة على الاقتصاد تحديداً. ونزاعات أردوغان كثيرة، منها قمعه للأكراد على مدار السنوات الماضية وصراعه ضدهم شرق تركيا، وحربه العسكرية في سورياجنوبتركيا، وكلها تسببت باستنزاف كبير للاقتصاد. ولا يخفى على المستثمرين أيضاً النزاعات في الداخل التركي، فالصراع بين الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة بات قوياً ومقلقاً للمستثمرين، الذين يخشون أن يلقي النزاع بظلاله على مصالحهم، فتتأثر بالمناخ السياسي الذي لم يعرف الاستقرار في آخر عامين، وتضاعف الأمر بعد خسارة الحزب الحاكم بلدية عاصمة البلاد أنقرة، وبلدية العاصمة الاقتصادية إسطنبول. أجواء مضطربة ومشاكل اقتصادية كبيرة وكثيرة من الصعب تفاديها في تركيا، جعلت الهروب حلاً أمثل لرؤوس الأموال، بحثاً عن فرص أكثر أماناً، فرأس المال كما يقال "جبان".