يجب أن يتفهم صانعو قرار التعليم التغيير العظيم في الحضارة البشرية، وشروط الانطلاق وفق عصرنا الحاضر، وأسباب الريادة والتمكين ضمن مضمار حياة البشرية الحديثة، إن تعميم التعليم وتسهيل فرص التعلم لا تخلق جيلًا مفكرًا خارج الصندوق، وخلّاقًا للحلول، ومبدعًا في ظل الفرص، ومبتكرًا في ظل الأزمات والتحديات والنكبات.. إن الاسثمار في التعليم على إطلاقه ليس إيجابيًا دائماً، بل شرارات السلب تظهر في طيّاته، فالعالم المتقدم لايزال مبتكرًا ومنتجاً جديدًا لا مقلدًا يعيش ويتوظف وفق المحاكاة والتقليد والتلقين.. لأنه استثمر في توعية العقل، ونمّا مداركه، وأطلق آفاقه، وهذا مايكاد يكون مفقودًا في تعليمنا التقليدي رغم هالات المسمّيات التي توضع فوقه وتحته.. إن مشروعاتنا التعليمية يعيبها زخم الهالات والمسمّيات، بينما محتواها الفلسفي العميق الذي يخلق النبوغ وينتج الجيل الخلّاق يكاد يكون مفقودًا في صفحاتها الكثيرة.. إننا عند حدوث الهزات والتعلق بوحل الأزمات لن نحتاج لموظفين وخريجين مقلدين تقليديين، بل سنكون في أمسّ الحاجة لصانعي أفكار، ومنتجي حلول عبقرية، سواء في الأزمات، أو في ظل بحثنا عن فرص التمكين والغلبة بين الأمم والمجتمعات لاسيّما ونحن نعيش عصر الرؤية المتطلّعة.. ومن أشد صور التعتيم علينا أننا نتفنن في استخدام شعارات لمشروعاتنا، بينما لا نتفحص محتواها ومدى كفاءتها، وإمكانية قدراتها.. فالتعليم الذي لا يصنع عقلًا ويستثمر به ليخلق لنا منتجاً جديدًا، فهو تعليم بدائي لن يصمد في ميادين الاقتصاد الجديدة التي هي مرهونة بعظمة الأفكار العبقرية، وهذا ماتعكف عليه الدول التي تطمح للمعالي والتمكن والوثوب، إنها تستثمر في العقول وتشجعها ولو كانت من خارج دور التعليم، ولو كانت تلك العقول خالية الوفاض من كل أبّهة الشهادات، بل هي لا تلتزم في معايير الشهادات مادام من يقف أمامها يفكر بطريقة مختلفة وطموحة وذات بعد عميق.. يجب أن يكون شعارنا الاستثمار في العقول لا في التعليم بطرائقه الجمعية التقليدية..