بعد أن تداول الناس تسريبات لصفحات من مناهج التاريخ الجديدة للمرحلة الابتدائية غمرتني سعادة كبيرة لا توصف؛ لأن بعض الأسماء المهملة تاريخياً منا كمجتمع ستنصف، ولأن أبناءنا وبناتنا سيكون لديهم توازن حقيقي وإدراك منصف لتاريخهم، وستتاح لهم الفرصة ليدرسوه مسترسلاً دون أن يكون به فجوات تجعل منه تاريخاً مبهماً، طمست فيه أدوار المرأة عمداً أو ذكرت عرضاً على استحياء! ذكر دور (غالية البقمية) المرأة الباسلة التي ذادت عن حماها وقادت الرجال نحو النصر على الغزاة في معركة تربة، هو انتصار حقيقي للمرأة السعودية، ففيه اعتراف بالأدوار الكبيرة السابقة التي كانت تلعبها المرأة في هذا الوطن على مر التاريخ، والتي لم يكن هنالك أي اهتمام بها بالرغم مما ترمز له من تكاتف المجتمع آنذاك، واحترامه لرأي المرأة ورجاحة عقلها ودورها الفعال فيه. نساء كثيرات مشين على تراب هذا الوطن، ساهمن بشكل مباشر في بنائه، لكنهن ظللن مغيبات غريبات داخل وطنهن. يُذكرن خارج الوطن على أنهن نساء مميزات وبواسل، وداخل الوطن يشار إليهن على استحياء على أنهن ساحرات أو جنيات كظواهر شاذة لا تستحق أن يكون لها ذكر. في عهد الملك سلمان - وهو الملك المثقف المطلع والعادل - أنصف تاريخ المرأة السعودية مثلما أنصف واقعها الحالي، بقراراته الحكيمة أعاد التوازن للمجتمع، وأعطى للأجيال الحالية الفرصة ليطلعوا على ما أنعمه الله على أرض هذا الوطن من أبطال أبناء وبنات. فالتاريخ الملهم هو الذي يُكتب بأقلام أبنائه، وكذلك المناهج الدراسية، ما كانت تعانيه بعض صفحات مناهجنا السابقة من تضارب وعقم كان بسبب الجهل في حجم تأثيرها، وفي محدودية وتطرف بعض العقول التي صاغتها. الأمير محمد بن سلمان كان حريصاً على التأكيد أنه لن يسمح لأخطاء الماضي بأن تستمر، وأن الأمانة التي في عنقه تجاه هذا الجيل والأجيال المقبلة تبدأ في تحصينهم ضد أي فكر يمكن أن يستغل لهدم وحدة هذا الوطن، أو الإبطاء من مسيرة نمائه وتطوره. وها نحن الآن نرى ذلك واقعاً في مناهجنا الدراسية؛ لأن التطوير فيها ليس في الطباعة فقط، وإنما في الفكر الذي يغرس فيها، لأنه المحرك الحقيقي للأجيال المقبلة، وإعداد الشعوب الناجحة يبدأ من مناهجها. فبعد أن أنصفنا نساءنا السابقات لم يعد هنالك من وجل بأن تُظلم المقبلات، وليس لنا بعد ذلك إلا الحمد.