امتداداً لاهتمامها بتاريخ المرأة في الجزيرة العربية بصفة عامة، وفي المملكة العربية السعودية بصفة خاصة، يأتي مؤلَّف الدكتورة دلال بنت مخلد الحربي (غالية البقمية: حياتها ودورها في مقاومة حملة محمد علي باشا على تربة) الصادر عن دارة الملك عبدالعزيز مؤخراً ضمن سلسلة من أعمالها العلمية التي تجذّر لدور المرأة الفاعل في المجتمع وإسهاماتها في مكوناته الثقافية الضاربة في أعماق التاريخ وقد سبق لي قبل حوالي سنتين الحديث في هذه الزاوية عن كتابها "المرأة في نجد: وضعها ودورها» عند صدوره مثنياً على منهجها حينما استعانت بالشعر النبطي لتوثيق جانب من جوانب الحياة الاجتماعية في نجد مؤكدة على أهميته كمصدر تاريخي لا يمكن الاستغناء عنه. وغالية البقمية من نساء الجزيرة العربية القلائل في القرن الثالث عشر الهجري اللائي ورد ذكرهن في كتابات مؤرخي العراق ومصر والحجاز وكذلك في كتابات الرحالة والمستشرقين؛ في حين تساءلت في مقالة نشرتها في 2004م عن سرّ تجاهل مؤرخي نجد قديماً لذكر هذه المرأة العظيمة!! فشهرة غالية نبعت من دورها المشهود في مقاومة حملات محمد علي باشا على الجزيرة العربية التي كانت تستهدف القضاء على الدولة السعودية الأولى لدرجة أنها تسمى (غالية الوهابية) وعلى الرغم من الاتفاق على هذا الدور الذي تجلّى أثناء الحملات على تربة خلال الفترة 1228 1230ه إلا الغموض يكتنف تفاصيل حياتها وهو ما حاولت الدكتورة دلال تسليط الأضواء عليه معتبرة دراستها أول دراسة تفصيلية شاملة عن غالية البقمية. فكشفت أن اسمها هو غالية بنت عبدالرحمن بن سلطان الغرابيطي الرماثيني البدري الوازعي البقمي ورجّحت بأن ميلادها كان في الربع الأخير من القرن الثاني عشر الهجري وأنها لم تكن في سن متقدمة وقت الحملة المصرية/ العثمانية على تربة كما يشير بعض المؤرخين ، كما رجّحت أن تكون زوجة لأحد شيوخ البقوم فتوفي وتولى ابنه الذي كان صغير السن فقامت والدته غالية بدورها الذي أبرزها من هذا الباب، ولذا كان لرأيها وتدبيرها قيمة عند رجال قومها، وتميل إلى أنها بعد معركة بسل وسقوط تربة 1230ه لجأت إلى البدو في حرة البقوم لوعورتها وصعوبة مسالكها التي جعلتها بعيدة عن غارات حملة محمد علي فلما هدأت الأوضاع وانسحب محمد علي من شبه الجزيرة عادت للإقامة مع ابنتها (زملة) في وادي كراء. في هذا الكتاب قامت المؤلفة مشكورة بالتقاط المعلومات القليلة المتناثرة في كتب التاريخ والرحلات وأخضعتها للمقارنة والتحليل واستعانت بالرواية الشفهية كما اعتمدت على روايات مبثوثة في شبكة الأنترنت مما جعلها تواجه مشكلات منها ضعف الروايات وتناقض المعلومات وخلوها من مضمون مفيد ومباشر عن غالية، الأمر الذي يؤدي عادة إلى تداخل الحقيقة والخيال في هذه الروايات، ولكنها اجتهدت في تتبع القرائن ورصد المتشابه من الأخبار وتحليلها للخلوص برؤيتها في هذه الدراسة. ولا زلنا بانتظار دراسة أكثر عمقاً عن هذه الشخصية الاستثنائية الشهيرة يكون فيها للوثائق حضوراً يجلّي التباس التاريخي بالأسطوري الذي يكرّسه كثير من المنتديات والساحات والمجالس الانترنتية بكتابات المجاهيل والمقنعين التي لا يعتد بها. الجدير بالذكر أن للدكتورة دلال دراسة عن غالية البقمية نشرتها في مجلة الخليج للتاريخ والآثار2008م نالت بها جائزة الأمير سلمان بن عبدالعزيز لدراسات تاريخ الجزيرة العربية في فرع المقالة العلمية ولعلها هي التي تضمنها هذا الكتاب إلا أنه لم يرد أي إشارة لذلك!!