أظهر انتقال صاحب السموِّ الملكي الأمير بندر بن عبد العزيز إلى رحاب رضوان الله ورحمته ما لسموِّه من تقديرٍ كبيرٍ على جميع المستويات بدءًا بخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وسمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان حفظهما الله، وما له في نفوس النَّاس من محبَّة فرضتها شخصيَّته المؤمنة السبَّاقة إلى كلِّ خير. عشر سنواتٍ مرَّت على هذه المقابلة، إلاَّ أنَّ كلمات الطيَّبين لا تفقِد قيمتها ولا يخبو بريقها بمرور الزَّمان. لم تسنح الفرصة لنشر هذه الكلمات من قبل ربَّما لأنَّه بدا وقتها أنَّها تدوينٌ محدودٌ لا يملأ فراغاً كافياً، وأنَّ مزيداً من الأمير قد يضيف إليها ذات يوم. اليوم ومع رحيل شخصيَّةٍ كصاحب السموِّ الملكي الأمير بندر بن عبدالعزيز رحمه الله بدا من الواجب أن يظهر هذا التدوين لزيارةٍ لسموِّه، مع أنَّ ما لا يمكن إظهاره هو تلك الرُّوح الأنيسة المرحِّبة، وتلك القدرة التي كانت على استحضار تفاصيل التاريخ بشكل إنسانيٍّ مذهل. كان سبب الزيارة هو مقابلة سمو الأمير لطيَّار الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود رحمه الله، الأميركي جو غرانت (توفي في إبريل عام 2010 عن أكثر من مئة عام). كان هو الذي أحضر الطائرة الهدية من الرئيس روزفلت للملك عبدالعزيز، وقد زار الرياض قبل سنوات، وحرص سمو الأمير سلطان بن سلمان على تشريفه بمقابلة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبدالعزيز رحمه الله، وعددٍ من أصحاب السمو الملكي الأمراء كان منهم صاحب السمو الملكي الأمير بندر بن عبد العزيز رحمه الله. استقبل سمو الأمير بندر بن عبد العزيز في منزله الجميع بابتسامته وتوقَّف مع جو غرانت متبادلاً الحديث، وكانت المقابلة مساء الثلاثاء 24/5/1430 الموافق 19/5/2009م. تحدَّث سمو الأمير بندر عن أوَّل رحلة للملك عبدالعزيز رحمه الله بالطائرة، وذكر سمو الأمير بندر أنَّ الملك عبدالعزيز سافر بالسيَّارة وتوقَّف قبل عفيف بساعتين وتغدى هناك، وقال ولم يدرك الكثير ما عنى: "غداً ناس في السَّماْ وناس في الأرض"، ومع طلوع شمس اليوم التالي نزلت الطائرة في عفيف، وكان الناس في انتظارها، وأقلعت الطائرة في الضُّحى إلى الطائف، وكان في معيَّة الملك عبدالعزيز سمو الأمير (الملك) فهد، وسمو الأمير بندر وفؤاد حمزة وبشير السعداوي، ومن رؤساء البادية عمر بن ربيعان ورئيس برقيات جلالته محمد بن دغيثر، وكذلك مطلق بن الجبعاء وعصاب بن منديل وإمام جلالته عبدالرحمن القويز ووكيل أمير المدينة عبدالرحمن السديري وأبناؤه وسكرتير جلالته رشدي ملحس، وخادم جلالته الخاص أمين؛ وأبرز سمو الأمير بندر ورقةً تعدُّ وثيقةً تاريخيَّةً مهمَّة ذكر أنَّه كتبها بخط يده على عجلٍ وهو في الطائرة تتضمَّن بعض تفاصيل الرحلة التي كانت يوم الأحد 4/10/1364. سُئل الأمير بندر عن كيفيَّة شعور الملك عبدالعزيز عند ركوبه الطائرة فأجاب بأنَّه لم يتحدَّث كثيراً، وقال: الحمد لله، وأنَّ الله وفَّقنا، وقرأ عند الإقلاع "سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنَّا له مقرنين". أمَّا عن شعور الأمير بندر عند ركوب الطائرة فقد قال "لم نكن ندري أنحن في الأرض أم السَّماء. لكن الملك عبدالعزيز ورباطة جأشه وشكره لله ثبَّتنا". أما عند وصول الطائرة فذكر سمو الأمير بندر أنَّ كثيراً من الناس كانوا في استقبال الملك الذي كان سعيداً وقويَّاً ونزل بثباتٍ على سلَّم الطائرة. ذكر سمو الأمير بندر بن عبدالعزيز رحمه الله، أنَّه سبق له الطيران من قبل وتحديدا عام 1930م، وأوضح بأنَّ الجيش الأميركي أوصل الطائرة من سانتا مونيكا حيث المصنع إلى القاهرة، وكانت الطائرة قد صنعت خصيصا للملك عبدالعزيز، وعني بداخلها بشكل خاص حيث كان من الخشب الفاخر، وذكر سموَّه أنَّ جو غرانت جاء بالطائرة من القاهرة حيث وصل إلى هناك من أميركا وكان معه في الرحلة إلى جدة الأمير (الملك) فيصل بن عبدالعزيز رحمه الله، وذكر الأمير أنَّ رحلته مع الملك عبدالعزيز كانت من أسعد اللحظات، وأضاف بأنَّه قام بالعديد من الرحلات في المملكة، ومع الملك سعود من الرياض إلى الظهرانوالطائف. كان جو غرانت يصغي باهتمام وحين سأله سمو الأمير بندر بن عبدالعزيز عن كيفيَّة معرفته موقع عفيف، أجاب بأنَّ دليلاً كان معه كما هو الحال في جميع رحلاته. أمَّا في الليل فكان يثبت المواقع بالنُّجوم، وهو أمرٌ وجد أنَّ النَّاس في الصحراء تعرفه جيِّداً. في ختام اللقاء قدَّم سمو الأمير بندر بن عبدالعزيز لجو غرانت ساعة يدٍ كهديَّة، وأطرق جو غرانت للحظة قائلاً: "أشعر وكأنَّ الملك عبدالعزيز معنا".. رحم الله سمو الأمير بندر بن عبدالعزيز، وبارك في عقبِه من بعده. د.زاهر بن عبدالرحمن عثمان