شَهِد الإقليم العربي الخليجي، والمتوسطي منه خصوصًا، أحداثًا كبرى خلال العقود الأربعة المنصرمة، بعضها سياسي، وبعضها الآخر استراتيجي – عسكري، وتخللها في الأثناء ثلاث حروب قاسية، كان آخرها ما شَهدته المنطقة العربية من أحداث سُميت «الربيع العربي»، الذي كانت نتائجه تحمل تداعيات كارثية ولا تزال، طالت الدول والمجتمعات العربية التي عاشت هذه الأحداث، ولم تكن إيران بالطبع غائبة عن هذه الأحداث. كانت حرب الخليج الأولى أو ما عُرف بالحرب العراقية – الإيرانية، أول هذه الأحداث، فقد نشبت بين الدولتين ابتداء من سبتمبر 1980 حتى أغسطس 1988، ودامت ثماني سنوات، مُشكّلة بذلك أطول نزاع في القرن العشرين. في أثناء الحرب الأولى قامت إيران في السابع من مايو عام 1984، باستهداف ناقلة نفط سعودية في الخليج العربي، وكرد فعل سعودي أمر الملك فهد باتخاذ تدابير ضرورية لضمان السيادة السعودية، وضمان المصالح في الخليج عن طريق إنشاء منطقة اعتراض جوّي خارج المياه الإقليمية السعودية، وسُمّيت (خط فهد)، وهو خط وهمي، وعبارة عن منطقة اعتراض جوي خارج المياه الإقليمية السعودية، رسمته السعودية في منتصف الخليج العربي، وبناءً على هذه الاستراتيجية الدفاعية للسعودية، أعطى الملك فهد أوامره باعتراض أي طائرة معادية، تحاول اختراقه وتجاوزه. وفي يونيو من عام 1984م وأثناء الحرب قامت القوات الجوّية الإيرانية باختراق المجال الجوي السعودي لضرب سفينتين في الخليج، فبادرت على الفور القوات الجوية السعودية بالتصدي للاختراق الإيراني، وتمكنت من إسقاط طائرتين إيرانيتين على الفور وإصابة ثالثة. كأن قرار إيجاد خط فهد الجوّي، يهدف أول ما يهدف إلى رسم خطوط حمراء لإيران وتحذيرها من مغبّة اختبار الإرادة السعودية في مسألة أمنها وسيادتها وأمن الخليج عمومًا؛ حيث إن إيران دأبت على تكرار اختبار هذه النوايا، وكان الرد السعودي لا يتأخر عادة، انطلاقًا من قناعة القيادة السعودية بأن إيران لن تهدر فرصة مهما كانت لاختبار الإرادة السعودية؛ لأن مشروع تمددها وتدخلها في دول الخليج والمنطقة، يبدأ من اختبار الدولة الإقليمية المحورية الأكبر في المنطقة وهي المملكة، ولأن المملكة كانت تعلم جيدًا هدف هذه الاختبارات الإيرانية، فقد كان الرد سريعًا وحازمًا من المملكة بفرض خط منطقة اعتراض جّوي، مع أوامر واضحة من الملك فهد بالرد الفوري واعتراض أي اختراق من جانب إيران. واليوم تعود الأحداث في منطقة الخليج لتحاكي واقع الأمس وأحداثه، وما زالت إيران العامل الرئيس المؤجج للتوترات والأزمات في المنطقة، غير مكتفية بدروس الماضي القريب ولا مستفيدة من التجارب، فهي لا تزال أسيرة عقيدتها السياسية والمذهبية وعدائها الصريح للعرب، وفي أحلام التوسع والتمدد، فهي لم تتنازل عن أوهام الحلم العسكري الإمبراطوري. وإذا كان خط فهد قد منع مزيدًا من التحرشات الإيرانية وأوقفها عند حدّها، عندما فهمت أن المملكة تُظهر عزيمة لا تتراجع فيها عن حماية أمنها ومصالحها وأمن الخليج عمومًا، فإننا اليوم نجد من الضرورة بمكان محاكاة إيران باللغة التي هي فهمتها وتفهمها دائمًا، لغة التصميم على مواجهة الخطر الإيراني، والحفاظ على أمن وسلامة المياه الإقليمية والدولية، خشية تماديها أكثر فأكثر، ويبدو أنه لا مناص من فرض خط بحري يحدد منطقة اعتراض تحمي من خلاله القوات البحرية والجوية أي محاولات عسكرية إيرانية تحاول اعتراض السفن والناقلات وتهدد سلامتها، في الخليج العربي، بغرض تعطيل حركة الملاحة التجارية، وتعريض مصالح السعودية والعالم للخطر.