يشهد العالم مرحلة التقدم السريع والشامل في جميع المجالات العلمية والتقنية وبالارتباط الوثيق بين العلوم والتقنية والبحث العلمي حيث إنه المنظم للنظريات العلمية في مجالات التصنيع والإنتاج المبني على الإبداع والابتكار العلمي، وأصبح قوة مولدة للتقنية. ويعرف العلم بأنه ثمرة النشاط العقلي للإنسان بما ينجم عنه من نظريات وقوانين عامة تحكم علاقات الأشياء ببعضها، بينما تعرف التقنية بأنها تحويل تلك النظريات والقوانين إلى أساليب وتطبيقات في مختلف النشاطات الاقتصادية والاجتماعية؛ أي أن التقنية هي تطبيق المعرفة العلمية التي أدت إلى ابتكارات بارزة ذات فوائد جمة للبشرية وساهمت لحل مشكلات الإنسان واحتياجاته. وحيث إن التقنية وليدة ظروف ومجتمعات معينة فإن نقلها من بيئتها إلى بيئة مختلفة يتطلب؛ - خلافاً لنقل العلوم - جهوداً مكثفة من تهيئة الظروف المحلية لعملها، وضمان مساهمة مالك التقنية في تسهيل التعامل معها، وتكييفها للتعامل بكفاءة في بيئتها الجديدة. ونقل التقنية يكون إما: أ- نقل رأسي: وهو نقل التقنية من مرحلة تطور الفكرة وبلورتها في مراحل البحث المختلفة إلى مرحلة أعلى من استثمار الفكرة ميدانياً وتحويلها إلى آلية علم أو منتج متطور. ب- نقل أفقي: وهو نقل التقنية بأي من أشكالها من منطقة أو دولة إلى منطقة أو دولة أخرى بهدف استثمارها. ولكن مما هو واضح فإن دول العالم الثالث تركز دائماً على اختيار الشكل الأفقي من نقل التقنية نظراً لقلة مراكز البحوث الوطنية وبما تقدمه لها الدول الصناعية من منتجات لتنفيذ خطط التنمية فيها، إلا أن هذا النقل قد لا يتم بالسهولة التي ترغبها وكثيراً ما يؤدي إلى نتائج معاكسة لما تتوخاه الدول في البداية. وكمساهمة في تطوير فهم أساليب نقل التقنية وتجنباً للمحاذير المحتملة من جراء نقلها خصوصاً أن هناك الكثير من المستثمرين وأصحاب المؤسسات التجارية الكبيرة والمتوسطة والصغيرة الذين لديهم القدرة على جلب تقنيات جديدة متطورة واستقطابها إلى مؤسساتهم وإلى الأسواق، ولكن تنقصهم في كثير من الأحيان القدرة على تطوير هذه التقنيات بأنفسهم. وهذا يعود إلى عدم توخيهم الاستفادة والاستعانة بذوي الخبرة، ومن لديهم المعلومات لكي يقدموا إليهم النصح، ويقوموا بعمل الدراسات التي تساعدهم على اقتناء وتوطين التقنية المراد نقلها. لذا أطرح بعض النقاط التي من المفيد لمتلقي التقنية التفكير بها قبل إقدامه على شراء التقنية وبداية مشروعه بغية تحقيق أقصى الفوائد منها وهي: * ملاءمة التقنية لاحتياجات المتلقي ووضع الأسواق. * البحث عما هو متوفر منها وعنها. * تقديم التقنيات المتوفرة محلياً وخارجياً، والشركاء المتاحين ودراسة عمليات التسويق. * أهمية التقنية وتسعيرها. * صياغة الوضع التفاوضي للتفاوض على نقل التقنية. * تقييم المخاطر الناتجة عن نقلها. * الالتزام على إبقاء علاقات طويلة المدى مع الشركاء. وحيث إن نقل التقنية يعد موضوعاً حساساً لدى الدول المتقدمة صناعياً واقتصادياً حيث إنها تصرف ما يقارب 3 % من الناتج القومي على برامج البحث والتطوير، لذا من الأفضل على الدول النامية اقتناء التقنية أولاً باستخدام النقل الأفقي المبني على الشراء المباشر أو تسليم المفتاح أو المشاركة أو الاستثمار الكلي أو الجزئي. والآن لكي يتم للدول الإسلامية والعربية السير في ركب التقدم ونيل مركزاً ريادياً في عالم اليوم وعالم الغد - إن شاء الله - يجب أولاً وأخيراً اتباع ما جاء في الكتاب والسنة، والاهتمام بموضوع العلوم والتقنية وتبني أسلوب علمي يحارب الجهل والفقر ويحد من البطالة، ومنهج يؤدي إلى نقل التقنية وتوطينها من خلال: 1- وضع استراتيجيات مبنية على الأسس الفعالة لمواكبة الوضع الاقتصادي العالمي والتنافس على دخول الأسواق، كما تكون واضحة التطبيق والمنال ومبنية على: * بناء قوة دفاعية وأمنية متناهية ومتكاملة تحافظ على الأمن والأمان والازدهار. * تحقيق الأمن الغذائي، وإكمال البنية الأساسية (التعليم، والصحة، والاتصالات، والمواصلات، والمياه، والكهرباء والخدمات العامة). * التركيز على الاستفادة من الثروات المعدنية والطبيعية والزراعية المحلية في مجالات التصنيع. * الاهتمام بالتعليم التقني وفتح المجال للتعليم التعاوني حيث يشارك القطاع الخاص ومؤسساته وشركاته مع الجامعات والكليات التقنية في عمليات التدريس والتدريب معاً لتغطية متطلبات سوق العمل من الخريجين والمتدربين. * تحقيق الدمج بين الشركات لتفادي الازدواجية الإنتاجية والتسويقية وإعطائها في نفس الوقت القدرة التنافسية، ويجب أن يتم الدمج بين الشركات القوية والربحية والمكملة لبعضها البعض مثل شركات النفط، والبتروكيميائيات، والبنوك، والشركات الزراعية والألبان.. الخ، لزيادة مقدراتها التنافسية ودخول الأسواق العالمية. * الاهتمام ببرامج البحث والتطوير في جميع المجالات والأنشطة (العلمية، والاجتماعية، والإدارية). 2- ملاءمة وتبسيط أنظمة (العمل والعمال، والاستثمار الخارجي، والتأمينات الاجتماعية، والخدمات العامة.. الخ) ولوائحها التنظيمية وتطويرها، لكي تتماشى مع التحول الذي تتبناه خطط التنمية والتطوير المستقبلية لزيادة الدخل القومي وتنويع مصادره وإيجاد فرص العمل. 3- تعزيز وضع المنظمات العلمية والتقنية القائمة ودعمها بالمال والرجال. 4- فتح المجال لمشاركة القطاع الخاص في برامج التخصيص ودعم البحث العلمي. 5- التركيز على اقتناء التقنيات الحديثة التي تساهم في إيجاد حلول لمشكلات المياه، النفايات والصرف الصحي، البيئة وحمايتها، الاتصالات والإعلام وغيرها، وكذلك التطوير والتحديث الصناعي وذلك عن طريق الاستفادة من وثائق براءات الاختراع أو التراخيص الصناعية والعلامات التجارية ونتائج البحث العلمي المدونة في قواعد المعلومات الصناعية التقنية العالمية والمحلية وذلك لبناء صناعة جديدة أو تطوير ما هو قائم وجعلها صناعة منافسة محلياً وعالمياً. 6- الاستفادة من برامج الاستثمار المشترك. 7- الحضور القوي في المنظمات والمحافل الدولية مع توحيد الجهود، لصياغة وجهات نظر موحدة يكون لها تأثير فعال في صياغة قرارات تلك المنظمات والمحافل الدولية حيال موضوعات الساعة (العولمة، والبيئة، والإعلام، والتقنية.. الخ). ولقد أظهرت دراسات عديدة أنه لو أخذت هذه الموضوعات بالجدية مع توفير الدعم السياسي والمالي فإن الدول الإسلامية والعربية سوف تجني ثمار النهضة والازدهار - إن شاء الله - وتصبح متقدمة ولها دور ريادي في صياغة السياسة العالمية.