توقفت خطى قلمه عن المسير مودعةً سطور الصفحات، وبقيت حصيلتها من نتاجه الفكري والعلمي تنبض بعبق كلماته وأحاسيسه منبعثة منها نسمات أنفاسه مع كل جملة أوعبارة حوتها بطون كتبه وأعماله المقروءة والمسموعة والمرئية، مشعلة ضياءً من علم ينتفع ويستنير به كثير من الناس. إن طرقَّ أقدامه على الأرض من أول حياته حتى آخرها تكاد تتساوى مع إجمالي حروف كلماته بما سطرته يده من نتاج معرفي وثقافي، وكأنه يقول «كتبناها ومشيناها معا». إنه الدكتور عبدالرحمن بن صالح الشبيلي - رحمه الله. يمكننا القول إنه رحل عن هذه الدنيا روحاً وجسداً، ولكنه ترك بيننا «شعلة علم» لاتنطفئ، نورها يشع في مواطن مختلفة من رفوف المكتبات العربية تتجه إليها بوصلة كل طالب للعلم والمعرفة، ولتغذي محتوياتها احتياجاتهم بمختلف الموضوعات عن الإعلام وتاريخ الإعلام السعودي وسير وتراجم الأعلام وطروحات عدة في مجالات التاريخ والفكر والثقافة بما يفوق 55 كتاباً والعديد من المحاضرات والبحوث قدمها في مؤتمرات وندوات وأمسيات وطنية وعربية ودولية. ووصفه أساتذة الإعلام بكلمات معبرة عن كيانه العلمي الملهم وفضائله الإنسانية، حيث قال أ. د. سعد آل سعود:» هو أحد رواد الإعلام السعودي، وأبرز مؤسسيه، رحل بعد أشهر من إصداره كتابه «مشيناها.. حكايات ذات». ولمح إلى أبيات دونها الراحل بصدر كتابه كأنه يعلم قرب وداعه « مشيناها خطىً كتبت علينا .. ومن كتبت عليه خطى مشاها!! .. ومن كانت منيته بأرض .. فليس يموت في أرض سواها!!». وقال د. عبد الله الحمود:» رحم الله رجل العلم والقلم والتجارب الواسعة في الحياة، وخير من كتب عن قضايانا الإعلامية والثقافية والتاريخية»، كما أشاد به د. أحمد بن سيف الدين، بذكر موقف من رجل رفيع المقام في العلم والخلق قائلاً:» رحمه الله؛ فقد كان ذو خلق رفيع عال، وتواضع جمّ، وروح ودودة، إلى جانب ما يحمله من العلم والتجارب الواسعة في الحياة.. جاء إلينا في قسم الإعلام في الكلية يحمل كتبه ليهدينا إياها وهو في علمه وسنه المتقدم. عجباً لروح ذلك الأستاذ الكبير.». تعكس شخصية الراحل همة عظيمة للتأليف والكتابة عرفها عنه كل من تعامل معه، صقلتها ممارسته وخبراته وتجاربه الثرية كرجل دولة في الإعلام والتعليم العالي والشورى وتأملاته وفلسفته الخاصة بالحياة والبيئة المحيطة به، طامحاً بإنتاج الجديد والمفيد؛ وتمثلت شواهد ذلك حينما استضافني في منزله العامر لحاجة من العلم تخصه أطلبها، وخلال حديثي معه صرح عن تحضيره لمجلد بعنوان «قاموس وثائق الإعلام» في 3 أو 4 أجزاء عن أبرز وثائق الإعلام، قائلاً:» لا أعتقد أن هناك من يملك مجموعة وثائق مثل ما توفر لدي والتي تحتاج إلى شرح وتفسير»، وكتاب بعنوان «نشأة الإذاعة والتلفزيون وتأثيرها في المجتمع السعودي»، وكتاب «أقوال في الإدارة»، وكتب في السير والتراجم. هذا هو عبد الرحمن الشبيلي نبع لا ينضب وشلال متدفق بالعطاء، وكأنه يقول: «خطى القلم بلا نهاية».