بين يدي خمسة أحاديث كلها في صحيحي البخاري ومسلم موضوعها العمل برؤية الهلال للصوم والفطر وغيرهما من العبادات المتعلقة بالهلال وحساب الشهور. سأعرض مفهومي لها في هذا الموضوع سائلاً ربّي التسديد والتوفيق إلى ما يرضيه آملاً العصمة من العُجْب واتباع الهوى. قال رسول الله -عليه الصلاة والسلام-: «لا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه فإن غم عليكم فاقدروا له» «إذا رأيتم الهلال فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غم عليكم فصوموا ثلاثين يوماً» «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته» «الشهر تسع وعشرون ليلة، فلا تصوموا حتى تروه، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين» «إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا»، يعني مرة تسعة وعشرين ومرة ثلاثين الأحاديث (1-4) صريحة في أن الرؤية شرط لصحة الصوم والفطر لكنْ الأول والثالث ليس فيهما ذكر لعدد أيام الشهر ففيهما عموم يخصصه ما في الأحاديث الثاني والرابع والخامس فلفظها ومفهومها يلتقيان على أنّ أيام الشهر تسعة وعشرون أو ثلاثون. الحديث الخامس يتعلق بمعرفة آخر الشهر القمري يبني المعرفة على حصر أيام الشهر في تسعة وعشرين أو ثلاثين بالتعاقب كما فهمه الراوي وعبّر عنه بقوله: «يعني....» والتعبير بكلمة (يعني) يقوي الظن أنه ليس من كلامه -صلّى الله عليه وسلّم- إذ لو كان من كلامه لقال: أعني. بل لم يكن في حاجة إلى أنْ يقول هذا، وهو معارَض بما في تقويم أمّ القرى، ففي هذا العام (1440 ه) ثلاثة أشهر متوالية أيامها ثلاثون، وشهران متواليان أيامهما تسعة وعشرون. والعلة أننا في الغالب لا نكتب ولا نحسب، وهذا منطوق النص، أما مفهومه فهو إذن بالرجوع إلى الحساب إذا تهيأت وسائل معرفته ووُجِد العارفون له، ولا ينبغي أن نختلف في أن هذين الشرطين متحققان اليوم. والحساب الّذي أعنيه الحساب المبنيّ على معرفة منازل القمر وحركة جريان الشمس لا ما يعمل به المنجمون. فإذا اتفقنا على هذا فلننظر هل الحساب معارض للرؤية أو مساند لها؟ أخبرني من أثق بخبره وخبرته -ولا أزكّي على الله أحدًا-أنّ من يرغب في معرفة ما بين غروب القمر وغروب الشمس من الدقائق يستطيع أنْ يدرك ذلك باستعماله لأحد التطبيقات المعدّة لمشاهدة الكواكب بعد تنزيله على هاتفه الخلوي (الجوال) ومنها تطبيق (سكاي ماب)، وسيكون قادرًا على متابعة حركة الشمس والقمر ولن يحول دون رؤيته غيم ولا كدر، فهذه رؤية عين ليس فيها مرية ولا تختلف عن رؤية العين المجردة أو بوساطة المنظار بل هي أكثر دقة وأبعد من الشك المترتب على قدرة الباحثين عن الهلال بأعينهم لما بينهم من تفاوت في المعرفة بمنازل القمر وفي مستوى قدرتهم البصرية. ومن كان في ريب من هذا فله أن يجرِّب إنْ كان قادرًا أو يستعين بمن له خبرة بهذه التطبيقات. وما يقال على سبيل الاعتراض من أنّ الداعين إلى العمل بالحساب مختلفون فيما بينهم، يقال مثله عن الداعين إلى الاقتصار على رؤية العين، فمنهم من يقول: رأيته وآخرون ينكرون رؤيته. زد على ما تقدم أنّ إدراك القمر بالبصر إذا كانت المدّة بين غياب الشمس وغيابه قصيرة احتمال ضعيف جدّاً، ولا أقول مستحيل مخالفًا لما يدّعيه بعض الحاسبين. وبعدُ فينبغي أنْ نتذكر أنَّ الخلاف جِبلّة بشرية ما منها نجاة: «ولو شاء ربّك لجعل الناس أمّة واحدة ولا يزالون مختلفين» ومما يحسن ذكره والتذكير به -إن كان منسيًّاً- أننا منذُ عرفنا التقويم الورقيّ نعتمد في تعيين مواقيت الصلوات الخمس على الحساب ولا نعمل بالمِزْولة أو الشاخص، ولا ننظر إلى الظلّ. لذلك أوصي بالعمل بالرؤية بمعونة أحد التطبيقات المذكورة، وعدم التعويل على الرؤية الشخصية الأرضية. أو الاعتماد على الحساب إذا تعذر العمل بالخيار الأول أو حدث فيه شك ظاهر. يُؤلف لهذا الموضوع لجنة دائمة من ذوي البصر الدقيق بالفقه ومن من لهم خبرة بالخيار الثاني تجتمع في اليوم التاسع والعشرين من كل شهر قمري للمتابعة.