لاشك أنه من علامات صلاحية الشريعة الإسلامية وخلودها أنها تركت بعض التفصيلات لولي الأمر ليقرر من التعزيرات ما يناسب العصر والبيئة، فالجرائم لن تحصر في وقائع محددة، لذا فإن مرونة العقوبة وتنوعها تتحدد تبعاً لطبيعة وزمان ومكان الجريمة، والعقوبات البديلة ليست مصطلحاً جديداً، وإنما هي موجودة في الفقه الإسلامي ومعمول بها قديماً وحديثاً، ففي مذهب الحنابلة مثلاً يكلف المعسر بالعمل حتى يسدد ما في ذمته. والمتأمل لأدلة الشريعة فيما يتعلق بباب العقوبات يقف جلياً على المقصد الشرعي من تشريع العقوبات وهو إصلاح النفس وتهذيبها، بمعنى أن هذه العقوبات ليست مقصودة لذاتها بل هي وسيلة شرعية لتحقيق الإصلاح والتهذيب مثل قوله تعالى: (إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم)، وكذلك نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يحرص على تطبيق العقوبة على من اقترف بعض الذنوب إذا جاءه الجاني وهو تائبٌ، فلم يعد هناك حاجة للعقوبة بعد تحقق الإصلاح والتهذيب. ونعتقد أنه بالرغم من وجود مؤيدين للتوسع في العقوبات البديلة إلا أن هناك من يقلل من فاعليتها أو يرى أنه قد يعتري بعض تطبيقاتها المعاصرة شيء من النقص والخلل، وهذا غير صحيح فالعقوبات البديلة أحكام شرعية تهدف إلى تحقيق الردع العام وتهذيب وإصلاح الجاني وتحقيق النفع العام كعقوبة بديلة للسجن والجلد وتخفف من حجم إنفاق الدولة على السجون من توفير الإقامة والإعاشة والخدمات الصحية والاجتماعية والحراسات، وهو ما قد يشجع البعض على المكوث في السجون نظراً لتوفر سبل الحياة السهلة دون جهد أو تعب، وسيقلل من تعطيل قدرات أيدٍ عاملة وعقول مفكرة كان من المفترض أن يكون لها مساهمات في بناء وتنمية الوطن. ونخلص إلى أن العقوبات التعزيرية ليس فيها ما هو أصلي وما هو بديل، فكل عقوبة تحقق الردع والنفع العام والخاص فهي مطلوبة، والعقوبات البديلة تتناسب مع كل الجرائم التعزيرية والفئات العمرية بخلاف عقوبة السجن والجلد التي لا تناسب الأحداث أو حديثي العهد بالإجرام في المخالفات البسيطة، وحيث إن الأصل في باب التعزير الاجتهاد لكونها عقوبات غير مُقدرة شرعاً وتخضع لاجتهاد القاضي في تحقيق المصلحة، فإن الحاجة تقوم إلى التوسع في تطبيق العقوبات البديلة ووضع الضوابط المنظمة للعمل بها في المحاكم لتحقيق الغرض من العقوبة بإصلاح وتهذيب الجاني وتغير نظرته لنفسه، ويعزز لديه الإحساس بالقدرة على النفع العام بخدمة دينه ووطنه ومجتمعه.