من منا لم يسمع عن السفينة التايتنك، من منا لم يشاهد الفيلم الذي أخرجه جيمس كاميرون، سمعنا كثيراً وقرأنا كثيرًا ولا شك أن الفضول غلب فئة كبيرة من مشاهدي الفيلم فانكبوا على قراءة كل ما كتب وقيل عن السفينة العظيمة والتي كانت محط فخر وتباهي منشئيها وقائدها وبحاريها وكل من قاتل حتى يكون من المحظوظين الذين كتب لهم أن يعبروا المحيط على ظهرها، وكلنا شاهد النهاية المأساوية والتي لم تستمر أكثر من ساعتين من عمر الزمان، دقائق قليلة ابتلعت فيها آلاف الأرواح وشهدت مآسي الغرقى وصراخهم وصيحات استنجادهم الأخيرة قبل أن تلتهمهم مياه المحيط المثلجة للأبد. لماذا تراني أكتب عن شيء قيل فيه كثير حتى بات وكل أخباره مملًا قديماً ومعروفًا جداً؟ ما أكثر ما قيل عن التايتنك، صور الفيلم وبرع الممثلون وأبدع المخرج وتعاطفنا أيما تعاطف مع قصة حب وليدة وجميلة ورومانسية جداً وراح بطلها ضحية للحادث، حكاية فتحت عيون العالم الحديث على القصة المنسية وجعلتها خالدة غير ممحوة من ذاكرة البشر. أكتب عن التايتنك.. لأن فينا الآن وسابقًا ألف تايتنك.. التايتنك حادثة واحدة وانتهت لكن حوادثنا وقصص مآسينا لم تنته. إن الأحداث الدامية التي وقعت للمسلمين من بني جلدتنا تكاد لا تحصى، تلك المذابح التي تلتهم المسلمين وتنهش في جسدهم مازالت حية، طاعون خبيث ينتشر، فأين نحن من تعاطفنا معهم؟ أين الدموع التي ذرفناها أمام فيلم التايتنك عنهم؟ أوليس أبناء جلدتنا بها أولى؟ أو ليس القصص التي تحدث مازالت أولى من تلك التي حدثت ومضت واندثرت؟. إن تباعدنا عن بعضنا البعض بأرواحنا، لهو تمزيق لأعضاء الجسد الواحد الذي خبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نكونه. فكونوا مع إخوتكم بأرواحكم بقلوبكم بتعاطفكم بدموع ودعوات في آخر هزيع من الليل.