ولد أحد عظماء الرواية في العالم الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز الحائز على جائزة نوبل عام 1982م في بيئة فقيرة في مدينة أراكاتاكا تذكرها بشيء من السخرية والهزلية في حوار تلفزيوني أجري معه على قناة كولومبية في منتصف السبعينات تقريبا وقامت بترجمته المترجمة أمل فارس وكان بين ثنايا هذه الذكريات أعظم العبر، ومنها حين تذكر أول قصة نشرت له فقال أنه رأى ملحوظة في جريدة (الإسبيكتاذور) تدعو الكتاب الناشئين ممن لم تواتيهم فرصة النشر لإرسال قصصهم إلى الجريدة فكان لديه قصتين فأرسلهما وهو يتوقع نشرهما خلال شهر أو شهرين ولكنه خلال السبت التالي نزل إلى الموقع فوجد شخصا يقرأ ذات الجريدة فإذا بعنوان قصته على ثمانية أعمدة في الجريدة (عطلة نهاية الأسبوع) ولكن المشكلة أنه لم يكن يملك خمسة سنتات ثمن الجريدة فاستعان بصديق له ليشتريها ويقول عن ذلك: إنه أصبح في مأزق ولا يمكنه التراجع وأن عليه أن يواصل الكتابة طوال حياته. وذكر قصة أخرى حين بعثته ذات الجريدة (الإسبيكتاذور) كصحفي إلى سويسرا ولم يعد مباشرة بل تجول في عدة مدن أوروبية وفي باريس أخبره صديق له أن جريدة (الإسبيكتاذور) قد أقفلت فقال: إنه أجمل خبر سمعه في حياته! وكان لديه تذكرة عودة إلى كولومبيا فذهب وألغى الحجز وأخذ قيمتها نقدا! ثم ذهب إلى غرفته في الفندق ووضع النقود في درج بجانبه وبدأ بتحقيق حلمه وهو أن يتفرغ للكتابة، ثم بدأ بكتابة رواية (ليس لدى الكولونيل من يكاتبه) وكان يخرج من الدرج يوميا ما يكفيه لشراء الطعام وفي يوم ما مد يده إلى الدرج فلم يجد فيه شيئا، فبدأ يكاتب أصدقاءه يطلب منهم العون مع شعور أنه لن يتلق أي رد، ولهذا يقول عن هذه الرواية: "وبغض النظر عما يقوله النقاد فإن أفضل أعمالي على الإطلاق هي رواية (ليس لدى الكولونيل من يكاتبه) لأنني كتبت فيها الحقيقة كما كانت تحدث فعلا". كما تذكّر أيضا كتابته لروايته الشهيرة (مئة عام من العزلة) حين انعزل في غرفته لمدة ثمانية عشر شهرا، حيث يتذكره أولاده في تلك الفترة كرجل منعزل طوال الوقت في غرفته بينما كان يشعر أنه المخلوق الأكثر اجتماعية وإنسانية على وجه الأرض! خرج خلال هذه الأشهر مرة واحدة حين أخبرته زوجته أنه لم يعد لديها ما يكفي من المال فأخذ سيارته وعاد إليها قائلا: "هاك مالا لعشر سنوات قادمة!" لكن المبلغ لم يكفهم سوى ثلاثة أشهر، وحين اتصل بهم مالك المنزل يطلب سداد الإيجار وضعت زوجته يدها على السماعة وسألته عن الوقت المتبقي لإنهاء الرواية فقال لها ستة أشهر فسألته أن يمهلهما ستة أشهر فقال: لا بأس إن أعطيتيني كلمة شرف فوضعت يدها على السماعة مجددا وقالت: "يقول كلمة شرف؟ هل أنت واثق من أنك ستنهي الرواية في ستة شهور؟" فأومأ لها نعم، وهذا ما حدث، ولكنه حين أنهاها وكانت رواية ضخمة من سبع مئة صفحة ذهب إلى مكتب البريد لإرسالها من المكسيك إلى الأرجنتين فوجد أن أجرة إرسالها بحسب وزنها تساوي 82 بيزو ولم يكن يملك حينها سوى 54 بيزو فقسم الكتاب إلى نصفين وقال لموظف البريد زنها حتى مبلغ 54 بيزو، ثم أرسلها، وعاد إلى البيت وباع المدفأة الكهربائية والخلاط الكهربائي ومجفف الشعر كل ذلك مقابل 50 بيزو، ثم عاد مرة أخرى إلى البريد لإرسال ما تبقى من الرواية ليتفاجأ أن ما قام بإرساله هو القسم الأخير من الرواية وليس الأول..!!