لم يكن العالم الألماني ماكس فيبر - صاحب الأفكار البيروقراطية - يقصد بأفكاره تعقيد العمل الإداري على الموظف والعميل، بل كان يريد من ذلك أن يقضي على كل أنواع المحاباة والمحسوبية أو حتى المشاعر التي تؤثر سلباً في العمل. لقد خرج هذا العالم من رحم المدرسة الكلاسيكية في الإدارة، التي تهاوت في ثلاثينيات القرن الماضي، ولأن البيروقراطية كانت تحفةً إدارية في تلك المدرسة المتهاوية، فقد تم استخراجها والحفاظ عليها في المدارس الإدارية اللاحقة، فعاشت البيروقراطية حتى مع انهيار مدرستها، ولكنها واجهت سوءاً في التطبيق أدى إلى تشكل الصورة الذهنية البائسة عنها. ما البيروقراطية الإدارية؟ هي حكم المكتب؛ أي حكم نظام العمل لكل إجراءات العمل، ومن أهم مبادئها تجرد الموظف من مشاعره، فيتساوى عنده العملاء القريب منهم والبعيد، وهي بذلك تسعى إلى تحقيق العدالة في الإجراء، كما أنها تضع اعتباراً صارماً للهرم الإداري الذي لا يجب تجاوزه في أي حالٍ من الأحوال، وبذلك فهي نظام من العمل يسعى إلى تحقيق الأهداف بطرق ثابتة وسليمة. إن ما نعانيه اليوم مع البيروقراطية هو أنه - علاوةً على صورتها الذهنية السيئة - لا يوجد التزامٌ حقيقي بمبادئها وأفكارها، فإما أن يبالغ الموظف في تجرده من مشاعره حتى يجحف بحق العميل أو يبالغ في تقديم الخدمة حتى يهضم حق بقية العملاء من الوقت والخدمة، وكل ما تريده مبادئ البيروقراطية هو تطبيق نظام العمل ولوائحه فقط.