لا يحتاج سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، إلى خسائر فادحة أو كارثة نووية ليدرك أن للحرب مآسي وأهوالاً. فهذه سياسة راسخة لدى المملكة العربية السعودية قيادة وشعباً. إنها ثقافة الحمد والموعظة التي ينشأ عليها الغالبية العظمى في المملكة، ومنهم ولي عهدهم الأمين حفظه الله. ثقافة ترسخها محافظة المجتمع على تقاليده الإسلامية عموماً، كما كرستها بقايا الإرث العربي من شعر ونثر وحكم وأمثال. قلة هي الدول التي لا تتوانى وفي كل محفل عن إعلان خشيتها من الحرب ومد يدها للسلام مرة بعد مرة. فالمملكة لا تعرف ثقافة التهديد والوعيد والشعارات والخطب الرنانة. المملكة دولة مكتفية باختصار مساحة وسكاناً وثروات. هكذا كانت السعودية منذ تأسيسها، طالما في السلم متسع، تنتهج سياسة حليمة ودبلوماسية الصبر، ثم لا تلبث أن تفاجئ الجميع بمواقف كالصخر يحط على الرؤوس من حيث لا ينتظرون؛ جربها القريب والبعيد؛ وجربها الأقوياء خصوصاً أكثر من غيرهم، منذ أن رمى الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه خطاب الحاكم العثماني في وجهه، ثم حين أوقف الفيصل إمدادات النفط عن الآلة الغربية. كما جربتها القوى العظمى حينما قال الفهد كلمته الشهيرة بعد احتلال الكويت "نبقى سوى أو نفنى سوى"، وما كان سيثنيه حينها عن ذلك شيء أو قوة. كما وحين وقف الراحل عبدالله بن عبدالعزيز مع مصر في مواجهة العالم. ويجربها اليوم مع سياسة الحزم السلماني ضد إرهاب الدول والجماعات والتنظيمات. هذا جانب مهم، في زيارة ولي العهد إلى متحف هيروشيما التذكاري للسلام. جانب اليد الممدودة دوماً وأبداً للسلام. أما الجانب الآخر فيخفيه نص شعار إعادة إعمار المدينة وكان "القضاء على أهوال الحروب، والسعي من أجل إحلال سلام دائم وحقيقي"، كما تم الإعلان في قانون إعادة بناء المدينة. إنه وجه آخر للحكاية، لا تراه إلا قلة استثنائية، تؤمن بأن لا مستحيل. وتملك نظرة تعلو على الواقع مهما كانت أهواله، نظرة تستشرف المستقبل، وتنظر ببصيرة وحكمة وإدراك لأزمة ومآلات إلى ما وراء الزمن. ويا لها من نظرة. لا تملك أمامها سوى الإعجاب والذهول. حينما تسمع غالبية القادة ورجال السياسة وأساطين الفكر يرددون على نغمة واحدة؛ يا لهذا العالم العربي الفاشل المحكوم بالبؤس والفقر والقتل والتشرد، ويشق ذلك الوجه الجديد الشاب الصفوف قائلاً ومن دون ذرة شك إنه يرى في هذا الشرق الأوسط، وفي كل هذا البؤس؛ "أوروبا الجديدة"! حادثة «هيروشيما»