في حوار خاص وحديث موسع تحدث الشاعر الدكتور عبدالله السفياني عضو مجلس الشورى وأحد الفاعلين والمؤثرين في الوسط الثقافي السعودي عن العديد من القضايا المهمة فإلى هذا الحوار.. الفكر طريق ليس للنجوم وطالبي الشهرة * بين قبّة مجلس الشورى ذلك المكان الذي يتطلع إليه المواطن البسيط بآماله وتطلعه إلى أن يكون المجلس ممثلا له فعلا وبين الشاعر الذي يحمل هذا الإنسان البسيط بين جنبيه أو هذا ما يفترض على الأقل، هل تجد شيئا من الازدواجية أو التباين بين هاتين الشخصيتين؟ انتقد تحويل التفاهة إلى منتج إعلامي * يقوم هذا السؤال على افتراض أو مسلمة شائعة في كثير من الثقافات وهي التي تجعل للشاعر شخصية مغايرة عن غيره من الناس، وقد روج لهذه المسلمة الشعراء أنفسهم بدءاً من الأساطير التي تدعي أن للشعراء علاقة ما بالجن، وأن لكل شاعر شيطان يلهمه الشعر فعند العرب مثلا مسحل بن جندل شيطان الأعشى وهبيد بن الصلادم شيطان عبيد بن الأبرص وهلم جنىً وشيطنة! الأديب صوت نفسه لا صدى لانتمائه ومع ظهور المدرسة الرومانسية شاع كذلك توصيف الشاعر بأنه كائن حساس وشاعري تأخذه العواطف والوجدانيات كل مأخذ وتؤثر فيه أيما تأثير وليس كبقية البشر وهذه الحساسية هي التي تمكنه من التعبير عن آلام الناس وأوجاعهم وتمنحه القدرة الخلاقة على التفاعل مع الطبيعة بما لا يستطيع غيره عليه. وكل ذلك في نظري تسويق للشاعر عبر افتراض تفرده عن البقية بينما الأمر ليس كذلك إطلاقا! فكل ما هنالك هو موهبة غذتها المهارات ويمكن لأي شخص لديه بذورها أن يصبح شاعرا مهما كانت طبيعته النفسية والفكرية وعليه «إن صح أني شاعر» فلا ازدواج بين أي عمل مهني سواء كان تحت قبة الشورى أو غيرها ما دام الشخص لديه المهارات والمؤهلات التي تجعله يقوم به. * بين الشعر والنقد والتربية والفكر الإسلامي كل هذه المجالات التي تكتب وتؤلف بها هل تحيط بها أم هي التي تحيط بك وتفرض نفسها؟ * الشعر كما تعلم بحاجة إلى قراءات متنوعة لتعزيز حضوره الفني وتوسيع رقعته الإبداعية لذلك ليس هناك تعارض بين الشعر والتخصص فقد يكون الشاعر مهنيا أو طبيبا أو مهندسا أو عاطلا عن العمل والأمل! وعلاقتي بما ذكرته في سؤالك هي علاقة تخصص ودراسة فدراستي في مرحلة البكالوريوس كانت في تخصص البلاغة والنقد وقراءاتي المبكرة جدا كانت في دواوين الشعراء الأوائل بدءا بالمعلقات وشروحها واختيارات المفضلي والأصمعي وانتهاء بشعراء معاصرين كالبردوني ونزار ودرويش. ثم لاحقا في مرحلتي الماجستير والدكتوراه تخصصت في مجال التربية الإسلامية وفلسفتها وكتبت في ذلك عددا من الدراسات والكتب وأعتقد أن هذا الحقل بحاجة إلى المزيد من الدراسات الناقدة، إذا علمت أن كثيرا مما يطرح إعلاميا من نقد في مجمله انطباعي لا تسطيع أن تقدم لنا تصورا علميا كافيا لفهم الخطابات وتحليلها. * الموسوعة العالمية للشعر العربي هل غلبها الواقع أم أوقعت بها أحلامها؟ أليس من الأفضل توجيه كل هذا الجهد لمنصة أدبية ثقافية وطنية قادرة على تجسيد مشاريعها على الواقع واحتواء المبدعين؟ أم أن هذا يخالف الأهداف البعيدة التي أسست من أجلها؟ * ليس لدى الموسوعة العالمية صراع مع الواقع ليوقع أحدهما بالآخر هي مشروع جاء استجابة لحاجة ماسة لتوثيق الأدب العربي على الشبكة العالمية بسبب القصور الكبير في هذا الجانب، فكما تعلم أن المؤسسات الثقافية الرسمية في العالم العربي عجزت حتى هذه اللحظة عن تحقيق هذا الهدف الكبير. ومن خلال هذه المنصة في فضاء الإنترنت نقدم للعالم أجمع صوت الأدب العربي نثرا وشعرا، واستطعنا بتوفيق الله ثم بجهود كثير من المتابعين أن نصل بالصوت العربي الأدبي إلى مقروئيات عالية، فالموقع الآن يسجل أكثر من مليار قراءة، وكثير من الشعراء الشباب في الوطن العربي أصبحت لهم صفحات خاصة على الموقع يطلع عليها الألوف يوميا في فضاء الشبكة الشاسع. وما ذكرته من تحويل المشروع إلى مشروع حيوي في الواقع عبر برامج يتم من خلاله احتواء المبدعين فلا شك أنه مطلب جميل ولكنه بحاجة إلى دعم كبير ومع ذلك فنحن منذ فترة مبكرة قمنا ببعض البرامج التي تتماشى مع ما ذكرته فأقامت الموسوعة العديد من المناسبات الثقافية والأدبية والشعرية شارك فيها العديد من المبدعين في الوطن وخارج حدوده وتعاونت الموسوعة مع مؤسسات ثقافية كثيرة ونقلت هذه المناسبات على منصات التواصل الاجتماعي وشاهدها الألوف من محبي الأدب ومتذوقيه، ودخلت الموسوعة عالم النشر فطبعت بعض الدواوين الشعرية للشعراء الشباب والقصص والمترجمات وماضون بحول الله في هذا الطريق لكننا نسير وفقا لإمكاناتنا المادية ولن نتوقف عن تحقيق طموحات الجماهير التي تطلع للجمال في وطننا وفي العالم العربي أجمع. * توسعت الموسوعة في نشاطها مؤخرا إلى إقامة الأمسيات ونشر الكتب هل هذا تصحيح متأخر لمسارها؟ ولماذا تتهم بخدمتها لفئة أو (شلّة) معينة؟ هل هذا صحيح؟ * تكلمت في السؤال السابق عن ملاحظتك القيمة في توسع الموسوعة في نشاطها وفقا لإماكاناتها المادية، وليس ذلك من قبيل تصحيح المسار ولكنه من قبيل التطوير والتوسع في العمل وفقا لاحتياجات كل مرحلة وإمكاناتها. أما أن الموسوعة تقدم خدماتها لفئة معينة أو شلة معينة فأعتقد أن الموسوعة لو سارت في هذا الطريق لكانت منذ زمن في عداد الموتى مثلها مثل كثير من المشاريع التي تبنت هذا المسار فاندثرت، ونحن نعتقد أن أهم سر من أسرار نجاحها على مدى ما يقارب 15 عاما هو أنها مشروع للجميع لا يتحيز لتيار أو مذهب أدبي أو فكري على آخر ستجد على صفحات الموقع كل الشعراء والأدباء عبر امتدادهم التاريخي والجغرافي ومذاهبهم الأدبية المتنوعة وما زلنا نستقبل يوميا طلبات من الشعراء والأدباء لإضافتهم في الموسوعة ونرحب بكل من يملك مهارات الكتابة الإبداعية بيننا. ونقول لكل أديب أو شاعر بحاجة إلى خدماتنا في أدب مرحبا بك تواصل معنا عبر موقعنا أو على حساباتنا في شبكات التواصل التي يتابعها الملايين من محبي الأدب والثقافة وستجدنا معك بكل ما نملك. * أثبتت المؤسسات الثقافية في أكثر من محك عدم القدرة على إدارة العمل الثقافي وإبرازه بالشكل الذي ينشده المثقفون الشباب ولكن البدائل أيضا سرعان ما تسقط بهذا الفخ، ما تفسيرك؟ * أنا أعترف أن إدارة العمل الثقافي من أصعب الأعمال وأشقها على الإطلاق، وكل من يتولى عملا قياديا في المؤسسات الثقافية غالبا ما يصاب بالصدمة والاحتراق مما يرى ويشاهد. وفي تصوري أن هناك إشكالات تكمن في فهمنا لدور المؤسسات في العمل الثقافي، كثير من المثقفين متطلبون بشكل مستفز ويريدون من المؤسسات الرسمية أن توفر لهم كل شيء وأن تتحول المؤسسات من مؤسسات ثقافية إلى مؤسسات مثقفين وتتحول الفكرة من خدمة الثقافة وبناها الأساسية إلى خدمة المثقفين وتقديم الخدمات لهم، حتى أصيب بعضهم بنرجسية قاتلة يثور بسببها على المؤسسة لأن تذكرة السفر تأخرت عليه أو لأن المؤسسة لم تحجز له على درجة رجال الأعمال أو تضعه في فندق لا يليق بنرجسيته! المثقف الحقيقي مع تحفظي المعروف على المصطلح لا يمكن أن يكون مرتهنا للمؤسسات ويرى وجوده ودوره من خلالها ولا يمكن أن يقدم أي عمل ثقافي إلا من خلال وزارة تدعمه وتستضيفه وتمكن له، وينسى استقلاله الفكري والثقافي! مهمة المؤسسات هي إيجاد بنية مادية مميزة للعمل الثقافي (مسارح -مكتبات - دور سينما ..إلخ) وبنية معنوية ترفع من سقف الحريات وتشجع العمل الثقافي وتنظم الفعاليات إلى غير ذلك، لكن لا علاقة لها بحال من الأحوال باستقطاب المثقفين واسترضائهم والدفع لهم، بل يكون دور المثقف هنا هو الاستفادة من البنى المادية والمعنوية في تقديم الأنشطة والبرامج والطرح الثقافي والنقدي المتزن! وما دامت المؤسسات الثقافية تعمل على فكرة ما يطلبه المثقفون فسيكون الفشل هو مصيرها! * مع ظهور المنتديات الأدبية الإلكترونية أنتجت نجومها ومبدعيها الذين وجدوا فرصتهم فيها والآن وسائل التواصل الاجتماعي تفعل ذلك أيضا وتسحب البساط من المنتديات الإلكترونية وتصدّر نجومها ومبدعيها. هل تنتقد الآن مشاهير وسائل التواصل لأنك من نجوم المرحلة السابقة؟ * أنا حقا لا أعتبر نفسي نجما لا في المرحلة السابقة ولا اللاحقة ففي مرحلة المنتديات مجموع ما كتبته محدود جدا!، والنقد الذي أطرحه بخصوص المشاهير ليس لأنهم مشاهير، فكثيرا ما تأتي الشهرة لأصحابها دون أن يسعوا إليها بل هو نقد منصب على المحتوى التافه الذي يقدمه بعضهم، ثم تحويل التفاهة إلى منتج يتم تصديره وتسويقه إعلاميا، وتتحول التفاهة إلى نموذج يقتدى به! وهذه هي الإشكالية، وهي ليست إشكالية المشاهير فحسب، بل هي كذلك ناتجة من أن المحتوى الجاد والعلمي الرصين يصعب أن يتحول إلى شهرة وصاحبه إلى نجم! الطرح العلمي والفكري العميق جماهيره محدودون جدا، ومن يريد أن يكون نجما له جمهور واسع من خلال العمق في الفكر يسير في طريق لا يؤدي إلى الهدف غالبا، وقد تحدثت عن ذلك في كتابي الخطاب الوعظي، فجزء من مشكلة الخطاب الديني لدينا هو تصديره للوعاظ والواعظ والقاص لا يمتلك العمق والعلم والفكر لكنه يمتلك أساليب أخرى تعتمد على الاستمالات العاطفية والإقناعية ويكوّن من خلالها جماهير عريضة ومن شأن العوام متابعة أصحاب المبالغات والتهويل في الخطاب كما يقول ابن قتيبة، وهكذا يتكرر الخطأ والخلل. ودور العلماء والمفكرين والتربويين هنا هو النقد لهذه الحالة غير السوية من تصدير الفارغين وتسويقهم. * التوجه السياسي والديني لدى الأدباء وخدمة هذا التوجه من خلال الأدب كيف تنظر إليه؟ وهل أنت من هذه الفئة من الأدباء؟ أم أن هذا شأن عام بالضرورة؟ * ليس هناك أديب أو مفكر ليس لديه قناعاته الخاصة سواء كانت سياسية أو دينية ولذلك تظهر على إنتاجه الفكري والأدبي لا محالة وهذا في حد ذاته ليس مشكلة بل هو أمر طبيعي، ولكن الإشكالية تكمن في تحول المفكر والأديب إلى صوت مسير ضمن فكرة حزبية أو سياسية أو حركية وهو ما يسميه بعضهم بالأيدلوجيا رغم الخلاف الكبير في المصطلح! كيف يستطيع الأديب أن ينجو من أن يكون صوتا لغيره وأن يصنع تفرده ورؤيته الخاصة هذا هو النجاح الحقيقي في ظل الاصطفافات السياسية والحزبية والطائفية الراهنة التي يذوب فيها صوت الأديب ويصبح صدى للمجموعة التي ينتمي إليها دون أن يشعر!