يعد مارك روثكو الفنان الأميركي المعاصر 1903-1970 في قائمة أغلى لوحات في العالم حيث بيعت له لوحة من أيام بمبلع 188 مليون ريال، وللإجابة عن تساؤلات الجمهور عن ذلك وتفسيره لهم، أود ذكر بعض الحقائق عن روثكو وتجربته الفنية التي أوصلت لوحاته لهذه الأرقام الخرافية. تتميز لوحات مارك روثكو وأسلوبه الفني بالألوان القليلة والمكثفة، والابتعاد عن التفاصيل لحد التعميم اللوني الكلي، فاللون عنده هو الناقل الرئيسي للدلالات والمعاني، فتكثيف اللون يأتي بهدف فتح آفاق ذات دلالات إنسانية عامة، وإنتاج الفن لديه هو وسيلة لامتلاك المجهول والسامي. كما يسعى كغيره من فنانين مدرسة نيويورك من الانعتاق من سيطرة الفنون الأوروبية، وتحقيق قيم خاصة بالإنسان المعاصر قوامها مشاعره الخاصة وذاته. بدأ روثكو تجربته الفنية بصنع لوحات متوسطة الحجم، فيها موضوعات وعناصر وشخوص، وتخلّص منها تدريجياً، حتى أصبح يرسم لوحات كبيرة ضخمة تحتوي على ثلاث مستطيلات مبهجة الألوان وجذابة، ثم مستطيلين غير مغرية، وانتهى بمستطيل واحد أسود ورمادي غامق مليء بالكآبة والمأساة، حيث قال: (اللون يعبر عن المشاعر الإنسانية الأساسية المأساة، النشوى، الموت وغيرها). فحسب تصريحه أنه يرسم لوحات لجعل الناس تبكي، وأنه ينتج لوحات كبيرة لتقتل الوهم وتكشف الحقيقة. ويمكن ملاحظة أن لوحاته ذات صلة وطيدة بالفنون البدائية والحضارات القديمة البسيطة الخالية من التعقيد. فكما قال بيكاسو أن (الغرض من الفن هو غسل غبار الحياة عن أرواحنا)؛ لذا أؤكد شخصياً على أنه لابد أن نعترف بالدور العلاجي للفن، وتأثيره الإيجابي على الصحة النفسية للإنسان. يُطبّق مارك روثكو نظرية الألوان بطريقته الخاصة على سطوح لوحاته، فهو يخلق علاقات لونية كثيفة ومركزة بين لونين أو ثلاثة، من شأنها تضفي تأثير بصري ونفسي كالأبهة أو الرهبة وتزيد من حجم اللوحة إيهامياً. ولا يرسم أشكالاً ولا شخوصاً ولا رموز، وينصح متذوقي لوحاته بمشاهدتها عن قرب مسافة نصف متر تقريباً؛ للشعور بالعلاقة الحميمة باللون والهيبة وتجاوز المجهول والانغماس في أعماق اللون لاستخراج كنوز معانيه ودلالاته. كما أنه يسعى لإزالة جميع العوائق بين الفنان والفكرة، وبين الفكرة والمشاهد، فيقول في هذا الشأن: (اللوحة الأكثر إثارة للاهتمام، هي اللوحة التي تُعبّر عن أكثر مما يفكر فيه المرء وأكثر مما يراه)، وهذا ما يؤكد حقيقة لدينا في مجالنا الفني وهي أن (الفن وسيلة تعبير لا يمكن تفسيره)، ففي الحقيقة كان لتجربة مارك روثكو الفنية من الأهمية تأثيراً على فلسفة الجماليات المعاصرة. تعد حياة روثكو قصة درامية نهايتها تراجيدية، وكان منتجاً منتظماً للفن منذ خروجه من الجامعة، وله حضور في أهم قالريهات أميركا ومتاحفها، وكان مؤمن جداً بفكره ومعتزا بشدة بلوحاته، فمن ضمن غرائبه أنه يهتم بردة فعل مقتني لوحاته، هل يشتروها لأنها تحف فنية أم قطع ديكور تزين مبانيهم. لذا اعترض مرة على بيع لوحاته لصالح أفخم مطعم بنيويورك، لما شاهد الناس تأكل ولا تتحاور في لوحاته. فقال هؤلاء الناس الذين يأكلون هذا لطعام بهذا السعر الغالي لن ينظروا للوحاتي، فقطّع العقد واسترجع لوحاته. واستغرق بعدها 6 سنوات لرسم 14 لوحة كانت من نصيب كنيسة، حتى دخل في أعمق حالات الحزن وشديد الألم والحسرة على إعجاب الجماهير بالفن الهابط لصور ممثلة إباحية في لوحات آندي وارهول ألد أعدائه، فقرر قطع شريان يده وإنهاء حياته، ظاناً أن هذه المهزلة ستنتهي. * فنان وناقد تشكيلي