يُعدّ الحسد من الصفات المذمومة في القلب التي تحتاج إلى طريقٍ طويلٍ لتطهير القلب من رذائله، والحاسدُ ظالمٌ عسوفٌ مغتاظٌ على من لا خطأَ له، وبخيلٌ بكلماتِ الثناء مع أيّ نجاحٍ وأيّ حدثٍ سار، لا يُبقي ولا يَذر، يغتاب الناجح إذا غاب، ويشمت بمصيبته إذا نَزلت، وإذا رأى نعمة له بُهت، وإذا رأى هفوة شَمِت، ومن أنواع الحسد العصري ما يُعرف بالحسد المِهني، وهو من أخطر الأمراض التي تلحق بالسلك الوظيفي؛ لأنه يَقضي على كل إبداع، ويَمنع من النهوض بأي عمل، ومع وُجوده تَقل النصيحة، وتَتحول الأعمال لأمور شكلية، ويَضعف الانتماء للعمل، وتقل الرغبة فيه، وتَكثُر الشكاوَى، ويتولد الانفلات الوظيفي. ولو كاشف الحاسدُ بما في نفسه لقال لكل مميز وناجح: احترتُ في نزعك من مكانك، وأخفيتُ جميعَ نجاحاتك، وتكلمتُ عنك في غيابك، ودللتُ الناس على عيوبك، وتعمدتُ عن الناس حجبَك، وأردتُ تهميشَك، وحاولتُ بأمورٍ فرعية إشغالك، وفي الأخير لا يستطيع نزع الناجحين لقوة تأثيرهم وعلو مكانتهم لكنه سيحاول ويحاول، ومن يبطن العداوة للناجح ويعاديه ويحسده بلا أسبابٍ سيظل دوماً يبحث عن أسباب سقوطه أمام الآخرين؛ فإن لم يجد سيبحث عن شبهة سبب؛ فإن لم يجد سيحاول إبعاد المحبين عنه؛ ليقنع نفسه ويظهر أمام غيره أن عداوته كانت مبررة، ومع أن التجارب قد أَثبتت أنّ كلّ ناجحٍ مميزٍ يُحارب، وصاحبَ الطُموح يُستهدف إلا أنه من المؤكد أن الناجح لن يستسلم للحساد، وسيواصل نشاطه وعمله بجد واجتهاد، ولن يعبأ بمن يترصد لنجاحه ويخفي جميع إنجازاته؛ فإن الحاسد لتغلل الحقد والحسد في قلبه جُبل على إنكار كل نجاح، وفي أي عملٍ كلما ازداد الناجحُ نجاحاً وطموحاً كلما كثر حساده، وما دُمتَ في السلك الوظيفي البعيد عن روح العطاء والانتماء فستجد من يزيدك تحطيماً وتهميشاً وانتقاداً، وفي حقيقة الأمر لا أحد يخاف من الناجح ويحرص على معرفة أموره وتفاصيل حياته كالحاسد الحاقد، فهو يهابه وقت حُضوره، ويُظهر مودته أمامه، ويحرص لضعف إمكاناته على أخذ مشورته ورأيه، وحين غيابه سرعان ما يُمارس ترهاته وألاعيبه بالكيد منه والصد عنه.