لابد للناجح من ثلاث شخصيات في حياته: صديق مشجِّع، ومنافس يسابق، وخصم يبحث عن الأخطاء، فأما الصديق المشجِّع فهو الذي يقوّي عزيمتك ويشحذ همَّتك ويشيد بأعمالك الناجحة، ويعينك على تخطي الصعاب ويهوِّن عليك المصائب ويعزِّيك في النوائب، ويشير عليك عند التباس الأمور ويمحضك النصح في كل موقف، ويلهب حماسك ويستثيرك للوثوب إلى القمة والصعود إلى معالي الأمور كما قال بشار بن برد: ولا بدَّ من شكوى إلى ذي مروءةٍ يواسيك أو يُسلِيك أو يتوجّعُ وهذا الصديق الصادق أندر من الكبريت الأحمر، وقد تعيش حياتك كلها فلا تجد هذا الصديق ولا تعثر عليه، ولقد اشتكى وبكى الأمير بن صُمادح الأندلسي أمير طليطلة من إفلاسه الأصدقاء، وقت الشدائد في أبيات فريدة متميزة بديعة تخلب الألباب وتستثير مكامن الإعجاب في النفس، هيا نعيش معه هذه الأبيات الخالدة، يقول: وزهَّدني في الناس معرفتي بهم وطُول اختياري صاحباً بعد صاحبِ فلم تُرِني الأيامُ خِلاً يسرُّني بَواديه إلا ساءني في العواقبِ ولا صِرتُ أدعوهُ لدفعِ ملمّةٍ من الدهر إلا كان إحدى النوائبِ والثاني منافس لك في حلبة الصراع وفي مضمار السباق إلى العلياء حتى تستطيع أن تجعله مقياساً لقدرتك وقوَّتك، فالمنافس يغريك بالنجاح ويحثك إلى المبادرة والابتكار، فإنَّ الناجح إذا خلا له الجو بلا منافس ظنَّ أنه وحيد عصره، وفريد دهره، وإنسان عين زمانه، فخلد إلى الراحة واستسلم للنوم، ووثق بريادته ولو كان في الحضيض كما قال الأول لما عاش بلا منافس: خلا لكِ الجو فبيضي واصفري ونقِّري ما شئتِ أن تنقّري فلما حج العلامة واعظ الدهر ابن الجوزي خلا الجو في بغداد لأحد الوعاظ فقام يخطب بالناس في غياب ابن الجوزي فسمع ابن الجوزي بذلك فقال: أنا وإياك كما قال جرير الشاعر: وابن اللبون إذا ما شُدّ في قَرَنٍ لم يستطع صولة البُزل القناعيسِ ومعنى البيت أنَّ ولد الناقة الصغير المسمَّى بابن اللبون الذي عمره سنتان إذا قُيد بالحبال استسلم ولم تكن له صولة الجمل البازل القوي العنيف العنيد الذي يقطّع الحبال. والثالث لابد للناجح من خصم يكتشف له الأخطاء ويدله على العيوب ويظهر له الخلل ليتلافاه فإنَّ الناجح إذا خلا من العدو دلّ على ضعفه وعميت بصيرته عن نقصه فعجب بنفسه ولج في غلطه ولهذا يقول أبو الطيب: وَمِنَ العَداوَةِ ما يَنالُكَ نَفعُهُ وَمِنَ الصَداقَةِ ما يَضُرُّ وَيُؤلِمُ فنفع العداوة أنَّ العدو يكشف لك الخطأ المستور، ويدلّك من حيث لا تشعر ومن حيث لا يريد هو على تقصيرك فتتلافاه، ولهذا يكون الحسود نعمة للناجحين من النِّعم الجليلة والمواهب الجزيلة لأنه دعاية مجانية محترمة لنجاحك وخطيب مفوّه في المجالس ينادي بأهميتك كما قال أبو تمام: وَإِذا أَرادَ اللَهُ نَشرَ فَضيلَةٍ طُوِيَت أَتاحَ لَها لِسانَ حَسودِ وكلما كثر الحسّاد والأعداء دلَّ على سطوع نجم الناجح، وارتفاع منزلته وعلو مكانته ويوم يخلو الإنسان من أعداء وحسّاد فقل: عليه السلام فقد مات من زمان رحمه الله ولو كان حيّاً يسعى على قدميه وأحسن الله عزاء أسرته فيه فبقدر كثرة الأعداء والحسّاد تكون عظَمَة العظيم، وهل رأيت خاملاً فاشلاً صفراً بليداً ناقصاً حقيراً تافهاً له أعداء وحسّاد؟ وعلى ماذا يعادونه؟ ولماذا يحسدونه؟ وليت في العالم أحداً دونه، فالعظيم حقاً، والكبير صدقاً من له جَلَبَة وفي حياته رعد وبرق ووبْل وطلْ كما قال أبو الطيب: فَتىً كَالسَحابِ الجونِ يُخشى وَيُرتَجى يُرَجّى الحَيا مِنها وَتُخشى الصَواعِقُ وقال في بيت آخر: وَتَركُكَ في الدُنيا دَوِيّاً كَأَنَّما تَداوَلُ سَمعَ المَرءِ أَنمُلُهُ العَشرُ ولهذا يقول بعض الناقصين الخاملين لأبيه: أبشرك أنني أمسيت وليس لي عدو ولا حاسد، فقال له أبوه: نعم لأنك ثور في مسلاخ إنسان، فعلى الناجح أن يتفقّد الثلاثة في حياته: الصديق والمنافس والحاسد حتى يضبط سيره وتنتظم خطواته ويكون الإيقاع متناسباً في وثوبه إلى المجد وكل الثلاثة: الصديق المشجّع والمنافس المحمّس والحاسد المنقّب عن الأخطاء يؤدي دوره ويقوم بواجبه ويساعد على مشروع النجاح، وفي كل ميدان من ميادين الحياة تجد الثلاثة حاضرين، في العلم والسياسة والأدب والفكر والاقتصاد وغيره، ولا يمكن لناجح متميز متفرّد أن يصفو له الجو مع أصدقائه فحسب، فلابد من الأصدقاء والمنافسين والحاسدين والغُنم بالغرم، والخراج بالضمان، فجدير بالذكي الأريب أن يشغّل الثلاثة وأن ينسب لكل واحد منهم وظيفته لأنه إذا توقف عن العمل والجد والمثابرة توقفوا هم عن الأداء وبقدر قوته تكون قوتهم فإذا سمعت ثناء منتشراً ونقداً شائعاً فأعرف أن هناك عَظَمَة وَصَولة وجولة وإلا لم تحسّ بخبر ولا أثر ولا عين ولا نظر فأعلم أنَّ صاحبنا قد قُبِر مع مَنْ قُبِر، وصار من صرعى الحفر، فاجتهد في توظيف ثلاثة من الأخوة الأذكياء الثقات: الصديق الحفي الوفي الصفي، والمنافس المزاحم، والعدو الحاسد الشامت، فأما الصديق فسوف تتعب جداً في العثور عليه، والمنافس سوف تجده على حسب نجاحك، أما العدو الحاسد، والحمد لله سوف تعثر عليه بسهولة وبيسر وكلما كثر حسّادك دلّ على كثرة نِعَمَ الله عليك، كما قال طيب الذكر زميلنا الآخر وصديقنا الثاني حبيب الطائي المشهور في مجلس الأمن بأبي تمام: واعذر حسودك فيما قد خُصِصتَ به إن العلا حَسَنٌ في مثلها الحسدُ