في ليلة العيد يأخذ "سعد" أطفاله إلى الأسواق حتى يشتروا حلويات العيد، ويشهدوا زحام العيد الذي لا يشاهدونه إلا في مثل تلك الأسواق، يمر سعد على الشارع القديم في "الثقبة" ويخبرهم عن ذكرياته القديمة التي طواها الزمن القديم سريعاً، حينما كان طفلاً صغيراً تمسك والدته بيده وتسير به وهي محملة بالأكياس المليئة بالحلويات وبالأشياء اللذيذة التي ستقدمها صباح العيد، حينما يحضر أبناء أعمامه وبعض من خالاته، فيزدحم البيت وكأن الجميع على موعد مع الفرح. ولا ينسى "سعد" بعد أن يعبر شارع السوق القديم ذاك أن يمر قريباً من خياط "مختار" الذي كان يصطحبه والده إليه طفلاً ليخيط له ثوب العيد الذي كان يعلقه ليلة العيد على باب خزانته، فيما يغادره النوم لفرط ما يطيل النظر إليه حتى فجر العيد، ثم يهتم "سعد" أن يحدث أطفاله عن إخوته الثلاثة "ناصر، وجاسم، وحمود" حينما كانوا يأخذونه للحلاق حتى يتهندموا للعيد جميعاً مختلفين من هو الأول الذي سيحلق شعره. وبعد تلك الجولة الطويلة من الزمن الذي يمر والذي يطيل "سعد" في ليلة العيد الكلام عنه، يعود مع أطفاله للبيت ليعيش وحدته التي لم يعد شيء يقطعها في صباح العيد سوى صوت التلفاز وبرامج فرحة العيد كما يحب البعض تسميتها، فكل شيء تغير بعد أن رحل والداه، فالإخوة لم يعودوا يجتمعون، والعيد لم يعد العيد، والجمعة صارت فقط في صلاة الجمعة، حينما يتبادل التحية في المسجد مع الجيران والناس. ينتهي العيد لدى الكثير من الأسر حينما يغادر الوالدان إلى الحياة الآخرة، فيدخل الإخوة في نزاع الصلة التي تغيب بغياب الوالدين، وربما بغياب الأم على الأخص، فالأم هي الخيمة التي تضم الجميع تحت رباطها ومحبتها، في حين يتجاهل البعض تلك الروابط التي قضت الأم حياتها وهي تعمقها في نفوس أبنائها فيقطعون، "الصلة" ويغيب كل في انشغالاته، فحتى العيد لا يوجد مكان واحد يتسع له في أحد منازل الإخوة، فيفقد العيد قيمته ويصبح أياماً بلا روح مخيبة للآمال والقلوب. مسؤولية من؟ ترى ربة البيت سارة فهد، بأن العيد الحقيقي يعني الأهل والتقارب بينهم، فللأسف أننا نجد الكثير من الممارسات التي تحدث في العيد تؤلم القلوب ولا تحدث إلا بين الأسرة الواحدة وبين الأشقاء، فاختلافات التجمع في العيد ومن يتحمل مسؤولية هذه الجمعة نقاش يتكرر في كل عام، ففي السابق كان بيت والديها يمتلئ بالمهنئين والأقارب، فالعيد كان له بهجة كبيرة يعد له بأيام قبل العيد، وكان والدتها تحب أن يأتي لها الجميع من أجل تبادل التهاني والشعور بفرحة العيد، فتحضر الولائم والحلويات والعدية المميزة للأطفال، ولكن للأسف بعد أن توفيت والدتها لم يبقَ من العيد سوى اسمه، فالجميع اتفق أنه غير مستعد للمبادرة حتى يكون هناك "تجمع" في العيد، فأصبح الجميع يلتقي من قبيل الصدفة، ويحدث ذلك دون اهتمام أو شعور بأنه لا يوجد اجتماع حقيقي بين الإخوة. الوفاء للوالدين وأشارت معلمة الأطفال منيرة السعد إلى القيمة التي يهتم بها إخوتها للعيد حتى بعد وفاة والديها، فشقيقها الأكبر تحمل مسؤولية أن يجعل من العادات التي تربوا عليها في الأعياد والتي كان والدهم يحرص عليها، من جعل بيته مفتوحاً للجميع تستمر من خلال بيته، فالعيد يكتمل بمثل هذا التجمع الحافل بالكثير من المحبة والتقارب والذي يعيشه الصغار قبل الكبار بفرحة تتناسب وأجواء العيد، مؤكدة على ضرورة أن يهتم الإخوة على استمرار الصلة والتقارب فيما بينهم، وأن لا ينتهي العيد برحيل الوالدين، فالأب والأم لهما أثر كبير في الشعور بفرحة العيد، ولكن قمة الوفاء لهما أن يحرص الأبناء على التواصل فيما بينهم، وأن يستمروا على إحياء ذات العادات التي كان يحبها والديهما، ففي مثل هذا الفعل شيء من البر بهما بعد وفاتهما. التفكك والتباعد وتؤكد المهتمة بشؤون الأسرة ناديا الصالح، بأن مظاهر التفكك والتباعد للأسف أصبحت ظاهرة بشكل كبير في واقع الأسرة، فهناك أسر تُحسد على التقارب الذي تعيشه والذي يحيط بهم في ظل والديهم، إلا أن هذا يبدأ في التكشف حينما يغادر الوالدين إلى الحياة الآخرة، فنجد التباعد والتنافر وربما التشاجر بين العائلة الواحدة، والتملص من مسؤولية القيم الاجتماعية ظاهرة، وهذا ما يحدث في واقع البعض للأسف، حتى تصبح المناسبات الدينية والاجتماعية لا قيمة لها، مشيرة إلى أن العيد لابد أن يعمق الشعور بالرحمة والمحبة والتقارب بين الأفراد، فإذا فقد مثل هذا المعنى فللأسف فقد قيمته الحقيقة. سلوكيات دخيلة وذكرت بأن هناك سلوكيات للأسف دخيلة على واقع الأسر العربية أصبحت تظهر على السطح في مثل مناسبات الأعياد، فالكثير من الأسر تحاول أن تتملص من مسؤولية الالتزام بالواجبات الاجتماعية وصلة الأخوة في العيد بالسفر قبل العيد بيوم، وكأنها رسالة واضحة بأنه لا يرغب في رؤية أحد، أو تبادل التهاني مع أحد، ومثل هذه الأفعال تفقد قيمة الروابط الأسرية، ومع مرور الزمن سنجد بأن الفرد يتحول إلى أجنبي في موطنه وهو يعيش بين أسرته، فحتى الجاليات الأجنبية نجدها تتشارك في الأعياد وتجتمع فيما بينها حتى تعوض الشعور بالفقد في العيد، في حين اختلف الوضع لمن هم بين أسرهم، فالكثير أصبح يتهرب من هذه التجمعات، مؤكدة على ضرورة الحرص على تبادل تهاني العيد مع العم والخال والجد والجدة في نفوس الجيل الجديد خاصة الصغار، فالكثير للأسف يستجيب لعدم رغبتهم لتبادل الزيارات مع الأقارب، في العيد بسبب الانشغال بالأجهزة والمواقع الإلكترونية والخروج إلى المجمعات التجارية والمطاعم، فلابد أن يحرص الوالدان على تعميق مثل هذه القيم بداخلهم حتى يكبروا وهم يحرصون عليها.