استدامة ما يتحلّى به الصائم الحقيقي من تزكية النفس، وطهارة اللسان، وصفاء السريرة؛ فإن المسلم مأمورٌ بحسن الخلق، ولين الجانب دائماً، ويتأكد ذلك أثناء الصوم، فمن جاهد نفسه في رمضان على تحصيل ذلك، فلا ينبغي له أن يتخلّى عنه.. لقد منّ الله تعالى على الأمة الإسلامية بإكمال عدة رمضان المبارك، وأداء العبادات المتعلقة به من صيامٍ وقيامٍ وصدقةٍ وتلاوةٍ واعتمارٍ وغيرها، فعلى المسلم شكر الله على نعمة الفسح في الأجل وإدراك رمضان، والتوفيق إلى التعبد فيه بما يرضيه تعالى، والهداية إلى النهج الأقوم المتمثل في تحري مرضاة الله تعالى، وقد أرشدنا الله تعالى إلى أهمية هذا الشكر بقوله: (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى مَا هَداكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)، فأرشد من أكمل العدة إلى تكبيره وشكره على ما هداه إليه، وما شرع له من التيسير في أحكام الصيام، ومن مظاهر الشكر أن يجتهد كل منا بأن يُعْقِبَ هذا الإنجاز بما يُقرّبهُ إلى ربه زلفى، وأن لا يبتّ العلاقة بينه وبين الأعمال الصالحة التي واظب عليها خلال شهر رمضان؛ فإن حكمة هذا العمل الجليل الترقّي بالنفس، وتطهيرها من الرعونات، وتعويدها الصبر والانكفاف عن الشهوات، وتلك خصال مطلوبةٌ دائماً لا يتحدّد طلبها بوقت، فعلى من أكمل صوم رمضان أن يديم علاقته بها، وأن يُنمّي حظّه منها، ويكون ذلك بالاستعانة بما يلي: أولاً: استدامة ما يتحلّى به الصائم الحقيقي من تزكية النفس، وطهارة اللسان، وصفاء السريرة؛ فإن المسلم مأمورٌ بحسن الخلق، ولين الجانب دائماً، ويتأكد ذلك أثناء الصوم، فمن جاهد نفسه في رمضان على تحصيل ذلك، فلا ينبغي له أن يتخلّى عنه، ولا يحسن به أن يُزيح عن كاهله كلفة الالتزام به، بل إن من ثمرات الصوم وبركاته أن يظهر أثره في تحسين سلوك من أكمله، ويتجلّى ذلك في نجاحه في استصحاب زكاء الصائم بدوام قوة مراقبته لربه، واتصال حسن معاملته للخلق، وسيطرته على نزوات النفس الأمارة بالسوء. ثانياً: تعاهد الصوم بعد رمضان بالتطوع بصوم شيءٍ من كل شهر، وأهمّه في هذا الظرف صوم ستة أيام من شوالُ فقد ورد في إتباع صوم رمضان ستاً من شوال فضلٌ عظيمٌ، فقد قال صلى الله عليه وسلم: «من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال، كان كصيام الدهر» أخرجه مسلم، وسواء في صوم هذه الستة أن يصومها في أول الشهر، أو وسطه، أو آخره مجتمعة أو متفرقة، كل ذلك تتحقّق به الفضيلة، لكن مَنْ عليه شيءٌ من قضاء رمضان، فالمشروع له تقديم القضاء على صيام الستة؛ ليكون قد صامها بعد إكمال العدة الواجبة، ومن الصوم المستحب صيام الاثنين والخميس، فعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ، قَالَ: «إِنَّ الْأَعْمَالَ تُعْرَضُ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ» أخرجه أبو داود وغيره، وصححه الألباني، ومنه صيام ثلاثة أيام من كل شهر فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: أَوْصَانِي خَلِيلِي بِثَلاَثٍ لاَ أَدَعُهُنَّ حَتَّى أَمُوتَ: «صَوْمِ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَصَلاَةِ الضُّحَى، وَنَوْمٍ عَلَى وِتْرٍ» متفق عليه. ثالثاً: تعاهد تلاوة القرآن الكريم، فمما يتجلّى به نجاح المسلم في تقوية علاقته بالقرآن الكريم في شهر رمضان أن يستمر على قراءته طيلة العام، بل إن المواظب على تلاوة ما تيسر من القرآن الكريم هو أولى الناس وأسعدهم بعمارة أوقاته في رمضان بالتلاوة؛ نظراً لتمرنه على هذه التلاوة، واشتياق نفسه إلى ما مرّنها عليه من ذلك، والمتثاقل المهمل للتلاوة في سائر أوقاته يخشى عليه أن يتباطأ إذا تسابق الصائمون في مضمار التلاوة، وأن يتخلّف عن الركب كما تعود، وتختلف قدرات الناس فيما يتعلق بالورد القرآني، فإن عجز المرء عن منافسة المجتهدين في هذا المجال، فلا أقلّ من تحصيل أقل ما يُخرجهُ عن دائرة هجران القرآن الكريم، ويرى بعض العلماء أن من ختم القرآن في كل سنة مرتين فقد أدّى حقّه. رابعاً: عدم إمساك اليد عن الإنفاق، فلئن كان رمضان شهر الخير، وموسم الكرم، فإن بذل الخير وكرم النفس مما ندب إليه الإسلام، فمن وفقه الله تعالى إلى بذل الخير والإنفاق في سبيل الله فلا يهجرنّ تلك العادة الحميدة، وليتعاهدها؛ فإن من علامات قبول العمل الصالح أن يُوفّق العامل إلى الاستمرار فيه، وإلى عمل الصالحات، وتتفاوت قدرة الناس على الإنفاق، لكن ما يتأدّى به الإنفاق لا يصعب على الموفّق؛ فإن من استصحب نية ابتغاء وجه الله تعالى في نفقاته أجر عليها، ففي حديث سعد بن أبي وقاص المتفق عليه: «ولَسْتَ تُنْفِقُ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلَّا أُجِرْتَ بِهَا، حَتَّى اللُّقْمَةَ تَجْعَلُهَا فِي فِي امْرَأَتِكَ».