السنة في العيدين الفرح والسرور والتجاوز عن أمور ربما رآها بعضهم خارمة للمروءة، أو منافية للهيبة والوقار، أو ممنوعة شرعاً.. بيننا وبين عيد الفطر المبارك يوم أو يومان، وسيتبادل الناس التهاني بالعيد، وتغمر الفرحة قلوب الصائمين، القائمين، الذاكرين، بل وكل المسلمين. وفي كل حين هناك من سيركز على أمور ينشأ منها التنغيص، أو التنكيد على الفرحين بفضل الله ورحمته. هؤلاء القلة هم الذين ينظرون للحياة من منظار الموت دوماً، ويتناسون أن الله تعالى استعمر خلقه في الدنيا، ونص رسوله صلى الله عليه وآله على حب الله تعالى لمن عمل عملاً أن يتقنه. والعمل هنا عمل عام، ولا شك في أن العمل التعبدي صلاة وصياماً وحجاً أولى ما يدخل في الحديث، ولكن عمل الدنيا لا يخرج منه. فكما أتقن الصائم عبادته في رمضان، فأتقن الصيام والقيام والتلاوة والذكر، فإنه قد أذن له بأن يتقن الفرح بإكمال العدة، تكبيراً وشكراً لله على ما أنعم، فمن سنن العيد الفرح، والابتهاج، والسرور، وما يعين على ذلك من التآلف والزيارة والصلة والفعاليات التي تتاح للعبد في يوم عيده. فإن العيد يعقب شهراً يرجى أن يكون ختم بعتق المسلم من النار، ففرحته لا يوازيها فرحة، تأهله أن يرقص فرحاً، كما عبر عن ذلك الأحباش في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله، وعلى مرأى منه في يوم العيد. وكما عبرت عنه الجاريتان في منزله صلى الله عليه وآله في يوم عيد، حتى إنه أنكر على الصديق رضي الله عنه إنكاره عليهما، وعلل ذلك بأنه يوم عيد! ومن هنا بوب البخاري في صحيحه فقال: باب سنة العيدين لأهل الإسلام. فالسنة في العيدين الفرح والسرور والتجاوز عن أمور ربما رآها بعضهم خارمة للمروءة، أو منافية للهيبة والوقار، أو ممنوعة شرعاً. وربما جازف بعضهم فتعجب من حال المسلم في رمضان من دمع عينيه، وخشوع جوارحه، ثم هو يضحك حتى تبدو نواجذه في العيد، فيتساءل أين دموع الأمس، أين خشوع البارحة؟ ولا تناقض هنا، فإن الشريعة قد جعلت لكل شيء وقته وأوانه، وفيها للفرح والترفيه مجال وسعة ووقت، وفيها للتعبد والتنسك مجال أرحب ووقت أوسع. فلا ينبغي أن يطغى وقت أحدهما على وقت الآخر، ولا ينبغي لنا أن نلغي أحدهما لتجاوز الناس في استعمال الآخر، فإن توجه الناس للتشدد والترهبن والتحريم لا يجعلنا نندفع إلى المجازفة باللهو في كل وقت وحين، وأن ننسى ما خلقنا لأجله من عبادة الله تعالى، وإن كان اللهو المراد منه التقوي على العبادة عبادة أيضاً، وإن كان الترفيه في المباح عبادة أيضاً، إلا أن الانحياز إلى هذا أو ذاك سيقود حتماً إلى طغيان اللهو أو النسك وكلاهما مذموم. والحق هو ما جاء على لسان نبينا صلى الله عليه وآله، وجاء في فعله وإقراره، بأن الحقوق ينبغي أن تؤدى إلى أهلها، فحق الرب مقدم، ولكن هناك حقوق للنفس وللزور وللولد والأهل، فأعط كل ذي حق حقه، ولعلك تدرك هذا حين تعلم أن نبينا صلى الله عليه وآله سابق عائشة رضي الله عنها مرتين، وكان في سفر للجهاد! لم يكن ذلك السباق إلا مراعاة للنفس الأخرى المرافقة له صلى الله عليه وآله، وحسن وزن واعتدال بين ما ذهب إليه من قتال العدو، وبين ما وجب عليه من بر الأهل وحسن معاشرتهم! ولنا به إسوة حسنة، وهو الذي قال: فمن رغب عن سنتي فليس مني. وأيضًا فلم تكن تخلو حدود المسلمين آنذاك من غزوات أو اعتداءات ولكن الفرحة في البلد تدخل في نفوس المقاتلين الثبات والإقدام، واستشعارهم أهمية الدفاع عن بسمة العيد. هذا، والله من وراء القصد.