جاء العيد والأمة تعاني من مآسي وآلام، وضيق وشدة في أجزاء كبيرة منها … فالآلام تعصرنا، والأحزان تعصف بنا….فكيف نفرح بالعيد !؟ بل هل يحق لنا أن نظهر البهجة والسرور ؟؟ وهل يحق لنا أننتبادل التهاني …ودماء المسلمين تراق ؟! وكيف نظهر شعائر العيد والنكبات تتوالى عليهم، والمصائب تحيط بهم ؟؟! هذا لسان حال…الكثير من الأخيار الذين يحملون هموم أمتهم وينصهرون بآلامها وتشتعل صدورهم غيرةً على محارم المسلمين المنتهكة !! حتى أخرجت شدة الأحداث وتطورها …بعض الفضلاء عن طورهم… فغلبت عليهم النظرة الكئيبة ،وطغت على ألفاظهم النبرة الحزينة… بأستجرار المآسي، والضرب الدائم على وتر الأحزان ،،، والمشاعر،وترديد قصائد تحمل الآلام والأكدار وربطها بالعيد،،، حتى صار العيد موسماً لاستثارة المآسي والأحزان… بل وقد يصل الأمر بالبعض إلى توبيخ من يظهر البهجة والسرور واعتبارهم متبلدي الإحساس فقائلهم يقول : لم أرى في العيد عيدا…..لم أرى فيه سعادة لم ارى فيه سوى ……..هم وحزن ونكادة وربما أضاف البعض إلى ذلك تقريع النفس ولومها،، حتى أصبحت أيام العيد أيام حزن وكآبة ويأس وقنوط،، وغدت بعض خطب العيد نعي وتأنيب… فوقعوا- وهم لا يشعرون – في مخالفة أمر الله، وترك سنة نبيه صلى الله عليه وسلم المتمثلة في إقامة شعائر العيد وتحقيق مقصود الشارع الحكيم، التي منها إظهار الفرح والسرور والاستبشار بإحسان الله وفضله كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وزوجته وهم أعظم من حمل همّ الأمة . قال ابن حجر في الفتح ((وفيه أن إظهار السرور في الأعياد من شعار الدين)) وجاء في فقه السنة:اللعب المباح واللهو البريء…. ذلك من شعائر الدين التي شرعها الله في يوم العيد ،رياضة للبدن وترويحا عن النفس ….)) روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت (كان يوم عيد يلعب فيه السودان بالدرق والحِراب فإما سألت النبي صلى الله عليه وسلم وإما قال:تشتهين تنظرين؟فقلت:نعم فأقامني وراءه خدي على خده وهو يقول دونكم يابني أرفدة )) لذا حري بأهل الخير والغيورين الحرص على إقامة شعائر العيد وإظهار الفرح والسرور لأن في ذلك : 1- إتباع للسنة ،وتطبيق للشريعة فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يحتفل بالعيد في وقت كان المسجد الحرام يقبع في قبضة المشركين وحول البيت مئات الأوثان والأصنام ، والمستضعفون الذين قال الله عنهم((… إلا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً }يرزحون تحت وطأة الاضطهاد والتنكيل في مكة. 2- إظهار سماحة الإسلام وما فيه من سعة وفسحة وإظهار الفرح والسرور ومؤانسة الأطفال والصغار وعدم حرمانهم من القدر المباح من ذلك كما قال صلى الله عيه وسلم حينما قال أنكر أبو بكر رضي الله عنه على عائشة رضي الله عنها اللعب يوم العيد ((دعهن يا أبا بكر فإنها أيام عيد)) وفي رواية (( ليعلم أهل الكتاب أن في ديننا فسحة وأني بعثت بالحنيفية السمحة)) قال النووي((وسمي عيداً لعوده وقيل لعود السرور فيه)) قال الشيخ الفوزان حفظه الله في الملخص الفقهي:-( وسمي العيد عيداً لأنه يعود ويتكرر كل عام ولأنه يعود بالفرح والسرور، ويعود الله فيه بالإحسان….) 3- أن في ذلك حصول عدد من العبادات التي حث عليها الإسلام كالتكبير والتبسم في وجوه المسلمين والمصافحة والزيارات وصلة الرحم وإزالة الشحناء والتزين والتطيب والتكبير وغيرها من العبادات التي في القيام بها نصرة لدين الله الذي يحصل به نصر الله لنا قال تعالى: (إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم ) 4- أن فيه إعطاء النفس شيئاً من الترويح المباح الذي ينشطها للمزيد من صالح الأعمال، ليقوم المسلمون بما يجب عليهم من النصرة العملية لإخوانهم 5- أن سبب الفرح يتعلق بإتمام عبادة الصوم وليس من أجل الأحداث الجارية أياً كانت قال صلى الله عليه وسلم (للصائم فرحتان فرحة عند فطره) 6- أن في إظهار الفرح والسرور تفائل وحسن ظن بالله تعالى وأنه قادر على أن يبدل ذل المسلمين عزاً لئلا يصاب المسلمون باليأس والقنوط جراء ما يجري لهم من بلاء ، كما أن ترك الفرح والإصرار على استجرار الأحزان يُخشى أن يترتب عليه شيء من الاعتراض على أقدار الله المؤلمة مما يؤدي إلى الإصابة باليأس والقنوط ،والكفر بنعمة الله الذي إن ابتلى فقد عافا وإن حرم فقد أعطى وتلك الأيام نداولها بين الناس فلا يأس مهما غرقنا في مآسينا **ومهما أمعن الكفر ذبحاً في ذرارينا ونبينا في ظلام الحزن أسوتنا ** وربنا في دجى الألآم هادينا 7- ما ورد عن بعضهم أنه لا يتبسم فهو مخالف للسنة وقد يكون لصاحبه وضع خاص به وظروف معينة تقدر بقدرها ولا يقاس عليها. 8- أن المسلمين في الدول المنكوبة على ما هم فيه شدة وبلاء يبتهجون بالعيد جاء في خبر بعنوان – تهاني العيد تجمع طوائف العراق – ما نصه ((وما إن تنتهي صلاة العيد حتى يسارع العراقيون لتبادل هذه العبارات وتعلو وجوههم ابتسامة فرح حقيقية بهذا اليوم، رغم ما تركته الأحداث القاسية التي تمر بها البلاد منذ ثلاث سنوات وما ترتبت عليه من سوء الأوضاع المعيشية والأمنية… ولاشك أن الخطب جلل،والمصائب تترى… وليس فيما ذكرنا دعوة إلى إهمال أحوال المسلمين أو التغافل عما يجري لهم،أو عدم الإحساس بمصابهم كلا وحاشا.. ولكن ينبغي ألا نتجاوز الحد الشرعي في التوجع والنواح ولاننطلق من العواطف التي ليس ورائها عمل إيجابي بناء ، فدوننا أيام العام كاملة نبذل خلالها مهجنا وأموالنا وأوقاتنا نصرةً لدين الله ودفاعا عن قضايا أمتنا، ولانكتفي بالندب والحزن في المناسبات فلكل مقام مقال ولنتعبد الله في العيد بإقامة شعائر الدين ومنها إظهار الفرح والسرور ((والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لايعلمون))…