تكشف الأزمات المتتالية في السنوات الأخيرة أهميّة دور الإعلام بوصفه أهم مرتكزات القوّة الناعمة المساند للجهود السياسيّة والعسكريّة لأي بلد. ولكن هذا الإعلام قد يؤدي دوراً عكسيّاً ولا يحقق التأثير أو التهيئة المطلوبة إذا لم تتوافر له العديد من المتطلبات المهمة. ومن هذه المتطلبات كفاءة القائمين على الإعداد والتحرير، حيويّة المحتوى وطرق إظهاره، اللغة المؤثرة الرصينة، واحترام المشاهد والمستمع والقارئ، ومن ذلك حسن اختيار المتحدثين والكتاب لأن الكلمة كالرصاصة إذا انطلقت لا تعود. ولكن مع هذا كله تبقى المعلومات الركن الأهم في إعلام الأزمات. إذ إن الأزمات فرصة كبرى لنشر الشائعات وترويج المعلومات الناقصة أو غير الدقيقة. ومن هنا حينما تتحرك كتائب القوّة الناعمة فإن سلاحها الفتاك ليس البندقيّة والصاروخ وإنما المعلومات والكلمات التي تساعد على تفنيد الحجج وإقناع الخصوم والتأثير الإيجابي في الرأي العام. وتتأكد أهمية المعلومات بشكل كبير في هذا العصر المسمى "عصر المعلومات" الذي ترسّخت فيه جماهيرية الوسائل وشعبوية الوسائط بين يدي الناس والتي تنقل كل شيء عن أي شيء. وفي غياب المعلومات مع كثرة وسائل تداولها يتحرك الخصوم وكذلك الهواة والحمقى والفارغون للحديث والتحليل والتحذير والتشويش وبالتالي يستبقون المعلومة الصحيحة التي لا تستطيع -حال تأخر وصولها- إقناع كثيرين ممن تلوثت ضمائرهم وتحركت أهواؤهم ورغباتهم على هوى المعلومات المضللة التي "حشوا" بها عقولهم وبدؤوا ينشرون تأثيراتها في محيطهم. وفي غياب المعلومة لا تتعجب حين ترى بعض من يتصدى للرأي العام لتفسير خلفيات الأزمات وهو يقدم معلومات مغلوطة بل أحياناً تناقض معلومات الشريط السفلي للمحطة التلفزيونية التي "يتفيهق" من خلالها. وفي الحروب والأزمات العسكرية تهتم غرف العمليات العسكرية بما بات يعرف بحرب المعلومات Information warfare (IW). ويعني هذا المفهوم بشكل عام الجهود والوسائل المعلوماتية التي يمكن توظيفها للتأثير في الخصوم وإسناد الجهد العسكري والسياسي بمختلف الأشكال. ولكن هذه الجهود المخططة والمدروسة قد يفسدها جهد إعلامي غير متقن أو اجتهادات تأتي في غير محلّها من قبل إعلاميّين أو مؤسسات إعلامية لا تتصل بمصادر المعلومات الأصيلة. * قال ومضى: مقاعد المستقبل محجوزة لأولئك الذين يقرؤون التاريخ جيداً..