منذ أكثر من أربعين عاماً، والعلاقات الأميركية الإيرانية في مد وجزر، وأحياناً تتصاعد إلى حد قرب المواجهة في الحرب الإعلامية، ولكن على أرض الواقع يتضح جلياً أن إيران قدمت خدمات لأميركا لا تحلم بها، سواء التمهيد لاحتلال طالبان أو احتلال العراق، والعالم ما زال يتعجب من سياسة أميركا وصمتها حيال التوسع الإيراني والتدخل في المنطقة وإشعال نيران الفتن والطائفية منذ مجيء نظام الملالي في طهران، ولكن يبدو هذه المرة أن هناك مواجهة حقيقية على الأرض، من خلال التحركات العسكرية والتوتر في المنطقة، ونشر مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة بدولة الإمارات تقريراً بعنوان «كيف ينعكس التوتر بين واشنطنوطهران على دور الميليشيات؟». حيث أكد التقرير أن حدة التوتر بين الولاياتالمتحدة الأميركية والميليشيات المنضوية تحت مظلة «الحشد الشعبي» في العراق وحزب الله في لبنان تتصاعد بمؤازاة التصعيد الجاري بين الأولى وإيران على خلفية العقوبات التي تواصل فرضها عليها عقب انسحابها من الاتفاق النووي في 8 مايو 2018، والتي ردت عليها إيران بتخفيض مستوى التزاماتها في الاتفاق النووي مع حلول الذكرى الأولى للانسحاب الأميركي في 8 مايو 2019. وأضاف التقرير أن هناك تقارير أميركية عديدة في هذا الصدد تشير إلى تنامي خطر «وكلاء إيران» على مصالح واشنطن في الشرق الأوسط، بما يتجاوز التهديد المباشر من جانب إيران ذاتها، وهو ما يفسر تغير الاستراتيجية الأميركية التي باتت تربط بشكل مباشر بين إيران ووكلائها الإقليميين. وقد تزايد اهتمام دوائر الأمن الأميركية بالميليشيات العراقية، خاصة الموالية لإيران، في ضوء الحذر من تداعيات العلاقات بين تلك الميليشيات وإيران على الوجود الأميركي في العراق وسورية، حيث تنشط تلك الميليشيات بكثافة على خطوط التماس في بعض المواقع التي تتواجد فيها القوات الأميركية، وهو ما يتوازى أيضًا مع الإجراءات التي تواصل واشنطن اتخاذها إزاء حزب الله في لبنان. وأشار التقرير إلى أن الولاياتالمتحدة اتخذت خلال الفترة الأخيرة سلسلة إجراءات ضد «وكلاء إيران» الإقليميين، وبعضها استبق القرارات التي تبنتها ضد إيران ذاتها، وبدا ذلك جليًا في العراق تحديدًا، التي مثلت، في مرحلة سابقة، محورًا لتفاهمات بين واشنطنوطهران، سواء كانت تتعلق بالعراق أو بدول أخرى مثل أفغانستان، وهى المرحلة التي يبدو أنها انتهت مع اتساع نطاق الخلاف بين واشنطنوطهران في العامين الأخيرين، وقد تعددت مظاهر هذا التصعيد بتعدد مواقع الحلفاء التي تشكل بدورها ساحات نفوذ لإيران في المنطقة. ففي العراق، وعلى الرغم من احتواء جولة التصعيد التي اندلعت بين الولاياتالمتحدة الأميركية وميليشيا «الحشد الشعبي» في 3 فبراير 2019، على خلفية التصريحات التي أدلى بها الرئيس الأميركي دونالد ترمب وقال فيها: إن «هدف القوات الأميركية في العراق هو مراقبة إيران»، إلا أن الارتدادات التي فرضتها لم تتراجع، حيث كشف ثلاثة مسؤولين أميركيين، طبقًا لتقارير عديدة، عن رصد الاستخبارات لتهديدات متعددة وجادة من جانب إيران وقوات تابعة لها في المقام الأول ضد القوات الأميركية في العراق، وهو ما لا يمكن فصله عن قرار واشنطن إرسال حاملة الطائرات الأميركية «أبراهام لينكولن» وقاذفات قنابل إلى منطقة الشرق الأوسط. وبمواكبة ذلك، توالت تحذيرات الإدارة الأميركية التي وضعت إيران ووكلائها في سلة واحدة كمصدر للتهديد. وقال التقرير: إن احتمالات المواجهة بين الولاياتالمتحدة الأميركية والميليشيات في العديد من الساحات ستبقى قائمة، لا سيما في العراق مع استمرار خطاب التصعيد من جانب الزعامات الدينية والميليشياوية ضد واشنطن، لكن في مقابل ذلك، ترجح اتجاهات عديدة أن تواصل واشنطن، كخطوة أولى، عملية إدراج الميليشيات العراقية على لائحة الإرهاب.