وطننا يسمو بنا.. بمثل ما نسمو بعقيدتنا، وكما أنه لا إسلام دون مسلمين، وفلا وطن دون شعب ينتمي إليه، ويحبه ويذود عنه بحياته وأرواحه ودمائه، فكل عام ووطننا يسمو ويعلو يوماً بعد يوم، وكل عام وقيادتنا تنصهر معنا بمثل ما نوفيها حقها ونخلص لها، وكل عام وشعبنا كله بخير.. يهل علينا شهر رمضان المبارك، ووطننا وشعبنا أكثر تحدياً وصلابة بمواجهة كل التآمرات الإقليمية والدولية، تردفهما قيادة آلت على نفسها خوض الصعاب لرسم مستقبل أكثر إشراقاً وتوهجاً. يهل علينا الشهر الكريم، بكل روحانياته وتدفقاته الإيمانية التي تسبغ على هذا الوطن ومواطنيه، إشعاعاً خالداً يوازي شرف التكليف الرباني برعاية أقدس مقدساته على وجه الأرض، ورعاية مهبط وحيه، ومثوى نبيه صلى الله عليه وسلم، بما يجعل التشريف على قدر التكليف. يهل علينا شهر الصيام، وأبناء وأشقاء لنا، يرابطون على الحدود والثغور، يضربون أروع ملحمة عطاء وفداء وصمود وإباء، منهم من بذل دمه وارتقى شهيداً، ومنهم من قدم جروحه عربون محبة وتضحية.. بمواجهة فلول إرهاب غادر، وعصابات ميليشيا طائفية، وجماعات تكفير وترهيب، ذوداً عن وطن شامخ، وحماية لمواطن أبيّ. يهل علينا شهر رمضان.. ووطننا الكبير يخطو بثقة قيادة، ومتانة اقتصاد، ووفاء شعب قدم أكبر عطاء للخير، في أعرق حملة ملحمة تكافل اجتماعي تنشر أياديها البيضاء لترسم البسمة والفرحة في الداخل والخارج، مؤكدة أن الشعب السعودي لا ينسى أشقاءه، ولا يبخل على أصدقائه. تهل علينا أيام مباركات ترسخت في وجداننا عبرها الكثير من نماذج البركات التي تؤصل لمسيرة أمة ضاربة في جذور التاريخ، تعرف كيف تجعل من حياتها نبراساً يضخ في شرايين أجيالها مزيداً من الإيمان والتقوى، وتحتاج في نفس الوقت للكثير من العمل الذي يضطلع به أبناؤها وبناتها ليثبتوا أنهم على قدر المسؤولية دائماً في البناء والتنمية والنهوض، غير مبالين بما تبثه الأبواق الحاقدة من سموم وأراجيف وأكاذيب. في هذه الأيام الجليلة، أعتقد أن علينا أن ندشن مشروعاً ذاتياً يقوم به كل مواطن، رجلاً أو امرأة، كبيراً أو صغيراً، صبياً أو شيخاً.. يجعل من فريضة الصيام منطلقاً إنسانياً شمولياً يتسق مع قيمة الفريضة، ويجعل من الروح سمواً يتجاوز احتياجات الجسد، يعمق نبل الفكرة، وعمق القيمة، سعياً لركيزة وطن يضم الجميع تحت عباءته، ويعلي من شأنه، ويأخذ بيد غير القادر ليكون شريكاً مهما كان تواضع حجم مشاركته، يعتمد أن يضيف للحياة من أفكار وقيم تستحق الحياة، تنبذ التعصب، وتنفي التشدد والمغالاة، وتعلي من شأن السماحة والتسامح والإخاء.. وتجعل من الإنسان أياً كان أخاً وشريكا يتجاوز المذهب أو التوجه، ما دام يشاركنا نفس هذه الحياة. وعلينا ونحن نستقبل هذا الشهر، أن نجدد سعودية التسامح، بمثل ما نؤكد على إنسانية ديننا الإسلامي، ونستغل هذه الأيام المعدودات لندشن هذه الفلسفة الإيمانية لتطغى على ما عداها من سلوكيات شاذة باسم الصيام، كالتوتر والعصبية والتذرع بالصيام كسبب للتكاسل والخمول والتسويف وعدم الإنتاج. عبر قرون تاريخنا الإسلامي المضيء، لم يكن الصيام أبداً شهراً للتواكل، بل علمنا أجدادنا من العصور الأولى، كيف كانت هذه الأيام دافعاً إضافياً للعمل بمثل ما هو حافز للعبادة والتعبد والاجتهاد، وجهاد العدوان ومقارعة المعتدين بنفس الروح ونفس البذل ونفس الإخلاص. وطننا يسمو بنا.. بمثل ما نسمو بعقيدتنا، وكما أنه لا إسلام دون مسلمين، وفلا وطن دون شعب ينتمي إليه، ويحبه ويذود عنه بحياته وأرواحه ودمائه، فكل عام ووطننا يسمو ويعلو يوماً بعد يوم، وكل عام وقيادتنا تنصهر معنا بمثل ما نوفيها حقها ونخلص لها، وكل عام وشعبنا كله بخير، من أقصى شماله إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه، هو المتمسك بدينه وعقيدته الوسطية، والقابض عليها والمرسخ لها باستمرار، وكل عام وكل مواطن ومواطنة بذات الثقة والعطاء، من أجل إعلاء كلمة الله، ثم القيادة والوطن.