التخلّف العاطفي أو الأميّة العاطفيّة هي ضد النضج والحكمة، والمصاب بها يعتبر شخصاً قلقاً ومقيداً بهواجسه ومشاعره الخاصة، وفي كل تصرفاته يبدو مستجدياً الاهتمام والعطف من الآخرين، وفي مقابل ذلك يرى علماء السلوك البشري أن مظاهر الأميّة والتخلف العاطفي تنحصر في مجالات خمسة، فاحذر أن تصاب بواحد منها فضلاً عن أن تصاب بها جميعاً فتكون الكارثة. أولاً اضطراب المشاعر؛ ومن علاماته فورات الهياج الانفعالي (السلوك الاندفاعي) المتمثل في ردود الفعل الصارخة وطغيان الحساسية، ونوبات الغضب الحادة والانهيار أمام الإحباط، وتقلبات المزاج والغيرة المرضية وانعدام القدرة على التسامح، وعدم تحمل الألم وفقدان السيطرة على الانفعال. ثانياً الرغبة الجامحة في الإشباع الآني؛ "هُنا... والآن" هذا هو لسان حال فاقدي الصبر الصحّي، مندفعين برغبة جامحة للحصول على ما يريدون وإشباع رغباتهم في اللحظة الراهنة، لا يملكون القدرة على ضبطها لتحقيقها في إطار طبيعي مريح، هؤلاء يتميزون بالسطحية وعدم القدرة على التبصّر والتفكير، حياتهم اندفاعة هوجاء، والمتطرفون من هؤلاء المتطرفين، يصبحون فريسة إدمان الانحراف والاغتصاب. ثالثاً الاعتماد الزائد على الغير؛ البعض يتوقف نموّه الاجتماعي عند مرحلة الطفولة، فتراه معتمداً على الآخرين في كل شيء تقريباً، وهذه هي الاعتمادية المرضية، وهذا النمط من السلوك تلعب فيه التربية الخاطئة الدور الأكبر حين يعتقد الوالدان أن تلبية رغبات الأبناء تحقّق لهم السعادة والرضا، في حين أنهما يتسبّبان بإعاقتهم نفسيًا واجتماعيًا، وينشأ الواحد منهم متخلفاً عاطفياً من حيث لا يدريان. رابعاً عدم القدرة على التعلّم من خبرات الحياة؛ ومثال هذه الحالة ذلك الشخص الذي يعتقد أن كل ما يحدث له في الحياة من إخفاق وإحباط وفشل هو نتيجة الحظ العاثر والظروف القاهرة أو أخطاء الآخرين، لذلك تجده متخاذلاً لا يسعى للتغيير، ويعتبر أن ما كُتِبَ قد كُتِب، ويقع في دوامة تكرار أخطائه كمن يدور في حلقة مُفرغة. خامساً الأنانية المفرطة؛ قليلٌ من الأنانية وحب الذات يشحذان إرادة الإنسان ليستطيع تبوّؤ مكانته اللائقة في الحياة وتحقيق طموحاته المشروعة وهذا أمر صحّي، ولكن في المقابل ذوبان الذات وتماهيها مع الآخرين وانعدام ذلك القدر اللازم من الأنانية تحقّق شخصية المرء وتُحيله إلى "تابع" أو "إمَّعَة": شخص لا رأي له ولا فكر ولا نظر، يردّد ما يقوله الناس ويمشي وراءهم، ومن المفارقات أن الأنانية المفرطة غالباً ما تكون مصحوبة بانخفاض تقدير الذات، فهي حين لا يقيم اعتباراً للآخرين فإنه في الوقت ذاته لا يعطي نفسه سوى اعتبار ضئيل، فالأنانية المفرطة هي نقيض الثقة بالنفس. إذا تجاوزنا حالة الزيف والتزوير التي قد يتعامل بها الإنسان مع مشاعره سنعترف حتماً بكل قوة لأنفسنا بحقائق ضرورية، نعم ضرورية لنكون على حقيقتنا، ضرورية لتصالحنا مع ذواتنا، ضرورية للحفاظ على ما تبقى من إنسانيتنا، وضرورية لنعيش بأرواح مُعافاة وصحة نفسية طبيعية ونتجاوز بها الأميّة العاطفية.