إن غياب الأب أو من يعوّض مكانه بحيث لا يتحقق إشباع جيد وكافٍ لهذه الحاجات النفسية سيجعل الطفل أمام خيارات متعددة في السلوك الظاهر المعلن أو المخفي. وتتحدد الخيارات حسب نمط شخصية الطفل وظروف البيئة، وهي: أولاً: أن يقوم الطفل بالدفاع عن نفسه بغياب الأب وتأمين الحماية لذاته، ولكن يكون هذا الدفاع من خلال السلوك العدواني والعنف والفظاظة والعناد والمشاكسة والكذب، كونه لم ينضج بعد ليدافع عن ذاته بطرق أكثر تكيّفا وتحضراً. ثانياً: أن يغلب القلق والتوجس على نفسية الطفل متمثلا بالحركة المفرطة التي لا هدف لها مع تشتت في التركيز وتململ واندفاعية وطياشة وعدم تفكير عقلاني. ثالثاً: أن تمتلئ نفس الطفل بالخوف من كل شيء والحساسية المفرطة من الآخرين وسرعة التبدل في المزاج. رابعاً: أن يغلب الشعور بالعجز والإحباط على الطفل فتُصاب نفسه بالكآبة والوهن فيلجأ إلى الانسحاب والعزلة عن الناس، وقد يُفكر بالموت ويتمنى أن يذهب إلى حيث ذهب أبوه، حيث «الأمان والحماية والراحة لا تتحقق إلا مع البابا» حسب ما وجد بعد أن فقده. قد يتولد بعضٌ من هذا أو كل ما سبق من اضطرابات في التكيف مع الحياة بعد فقد الأب. وخاصة إذا لم تُقدم له هذه الحاجات بالطرق الصحيحة والكافية من المربي البديل. إن كان أمه أو عائلة بديلة أو مؤسسة تربوية راعية. يُطلب من أم الطفل نفسها في غياب الأب أن تصبح «أماً وأباً» للطفل في نفس الوقت. والأم عموما والسورية خصوصا معروفة بقدرتها على تحقيق الدورين معا، شريطة أن تتلقى هي الدعم المادي والنفسي الكافي من المجتمع، والحذر الحذر أن تلجأ إلى الضغط والقسوة الشديدة على الطفل لتعويض دور أبيه كما يحصل في بعض حالات غياب الأب، ظنّا من الأم أنها تعوض دور الأب فتظهر بمظهر الأب القاسي. ولتعويض دور الأب نفسياً يجب تأمين الاحتياجات الأساسية من مأكل ومشرب ومسكن ودفء وراحة بشكل مناسب للطفل بعد فقد أبيه، وتأمين الحماية والأمان للطفل من كل أشكال الخطر، وتوفير أجواء اللعب الحر الإبداعي، وأن يكون المسؤول عن الطفل شخصا واحدا يُرجع إليه في السماح والمنع والثواب والعقاب، حتى ولو كان من يرعاه العشرات من البشر، والحزم والضبط في التعامل مع الطفل: فهي حاجة نفسية تحقق له الأمان، وإشباع الحاجة إلى التعلّم: بتوفير بيئة تعليمية مناسبة حسب الإمكانية المتوفرة. إذن يبقى الأب رمزا للإشباع النفسي والمادي للطفل، فإن تحقق هذا الإشباع مع أيٍّ كان استقر النمو النفسي والانفعالي والعاطفي وتقدير الذات عند الطفل، حتى ولو كان الأب الحقيقي غير موجود. وبالمقابل قد يحصل نقص أو عدم إشباع نفسي ومادي مع وجود الأب الحقيقي إن لم يقم بواجبات أبوته بشكل جيد وكافٍ.