لم يكن مستغرباً أن تحقق ميزانية المملكة للربع الأول من 2019 أكبر الإيرادات الربعية بقيمة 245,4 مليار ريال، إلا أن أكثر ما لفت أنظار المحللين الماليين العالميين المساهمة القوية للإيرادات غير النفطية والتي ارتفعت بشكل مذهل محققة رقماً قياسياً جديد بقيمة 76 مليار ريال ما يعادل ثلاثة اضعاف ما حقق في نفس الربع من 2014. في حين ان الأكثر اقتراناً بهذه النتائج المتطورة والمفرحة تقلص صادرات المملكة النفطية لأكثر من ثلاثة ملايين برميل يومياً خلال الربع في حين حلت عوائد قطاع الغاز والتكرير والكيميائيات والزيوت والشحن والتسويق المشهد لتمضي في نموها المخطط له لتضييق الفجوة على صادرات النفط كمورد وحيد رئيس للمملكة مستهدفة تحييدها بنسبة 50 % في 2030 وهو وثاق الرؤية التي ارتبطت بسمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الذي تعهد بفتح اقتصاد المملكة الصحراوية على نطاق العالم بأسره. وساهمت النتائج المالية التريليونية الباهرة لشركة أرامكو السعودية لعام 2018 في دعم إجمالي إيرادات المملكة غير النفطية التي ارتفعت من 255,6 مليار ريال في 2017 إلى 291,3 مليار ريال في 2018. وتشير التقديرات إلى أن إجمالي إيرادات المملكة ستكون حوالي 975 مليار ريال في عام 2019 بزيادة 9.0 % عن المتوقع في عام 2018 ومن المتوقع أن تصل إلى 1,042 مليار ريال في عام 2021 م بمتوسط نمو سنوي يبلغ 5.3 %. واستهدفت رؤية ولي العهد إصلاحات مالية وإعادة هيكلة قطاعات استراتيجية اقتصادية عجلت بالإسراع من تحقيق عملية التحول والنمو الاقتصادي حيث من المقدر في عام 2023م أن تحقق الميزانية فائضاً بحوالي 1 مليار ريال وتشير التقديرات إلى بلوغ إجمالي إيرادات المملكة لحوالي 1,154 تريليون ريال في عام 2023م أي بمتوسط نمو سنوي يبلغ حوالي 5,2 % وبلوغ إجمالي النفقات في ذات العام 1,153 مليار ريال وبمتوسط نمو قدره 2,3 % في المدى المتوسط. في وقت لم تخيب توصيات قادة البنوك والاستشاريين الماليين العالميين وساسة الاستثمار العالمي بقوة ومتانة اقتصاد المملكة ومستقبله الواعد المرتبط استقراره باستقرار شركة أرامكو السعودية وقوة التلاحم المطلوب مع الجهة السيادية للمحافظة على استقرار السوق العالي ويعكس هذا تأثير الدولة في الشركة من خلال الضرائب وتوزيع الأرباح، والامتثال لأوبك وتداعيات السوق في وقت تعد أرامكو السعودية المصدر الأساسي للعوائد الضريبية وإيرادات تداول العملات الأجنبية، وكانت الشركة مصدًرا لنحو 70 % من عوائد إيرادات ميزانية الدولة في فترة 2015-2017، ونحو 80 % من إيراداتها الخارجية الحالية. في حين أن أحد أهم العوامل المحفزة للنمو في إيرادات الربع ميزة التكلفة المنخفضة لعمليات أرامكو في المنبع البالغة 2.8 دولار لكل برميل نفط مكافئ لعام 2018 والإنفاق الرأسمالي لأنشطة المراحل الأولى البالغة 4.7 دولارات لكل برميل نفط مكافئ وهي أقل بكثير منها لدى الشركات المتكاملة الدولية وبعض شركات النفط الوطنية، وهو ما يعد ميزة مهمة في بيئة أسعار النفط المتقلبة. ومع ذلك تؤكد أرامكو بقدرتها على الاستفادة من طاقتها الفائضة لتسمح لها أيضًا بالربح بشكل كبير تحت مختلف الظروف غير السوية التي تضيق أفق السوق وتخنقه مما يوفر إيرادات إضافية بقيمة 35.5 مليار دولار من عام 2013 إلى عام 2018. وفي جانب المقومات الأكثر تأثيراً في استمرار نمو الاقتصاد هيمنة أرامكو النفطية وتصنيفها كأقوى شركة للطاقة في العالم وهي الأمين على احتياطيات المملكة الضخمة حيث بلغ متوسط إنتاجها من السوائل وإجمالي إنتاجها من الهيدروكربونات 11.6 مليوناً و13.6مليون مكافئ لبرميل النفط يومياً على التوالي متفوقة بنسبة كبيرة على إنتاج أنشطة المنبع للمنتجين العالميين والإقليميين المتكاملين. في وقت تقدر أرامكو احتياطاتها السائلة المثبتة بما يصل إلى 227 مليار برميل واحتياطاتها الإجمالية من الهيدروكربونات بما يصل إلى 257 مليار مكافئ لبرميل نفط، وهو ما يعني عمر احتياطات تكفي لأكثر من نصف قرن 52 سنة، وهو مستوى مرتفع ومريح بالمقاييس الدولية. وأتت النتائج الجيدة جداً للأداء المالي للمملكة بالرغم من اضطرابات سواق النفط العالمي ومشكلاته الجيوسياسية والأزمات التجارية العالمية إلا أن ذلك لم يعق شركة أرامكو السعودية بصفتها أكبر منتج ومصدر للنفط في العالم من المضي قدماً لتحقيق أكبر إنجازاتها في كافة أصعدتها التشغيلية والتقنية والإنتاجية والتسويقية في صناعة النفط والغاز الطبيعي والتكرير والبتروكيميائيات لعام 2018 والتي كان لها أبلغ الأثر في محصلة أرقام الربع الأول حيث أظهرت مؤشرات الأداء ارتفاعاً قوياً شاملاً في ظل تحقيقها أكبر الإيرادات الضخمة في ثلاثة أعوام حيث بلغت 1,3 تريليون ريال في 2018 وهي تمثل أضعاف إيرادات 2016 التي بلغت 506 مليارات ريال وأرفع بكثير عن إيرادات 2017 التي بلغت 986 ملياراً، وهو أمر طبيعي لبلوغ صافي أرباحها رقم فلكي بحوالي 417 مليار ريال (111,1 مليار دولار)، مقارنة بصافي ربح 49 مليار ريال (13 مليار دولار) في 2016 و76 مليار دولار في 2017. كما ساهمت الزيادة الشاملة لإنتاج أرامكو من النفط الخام والمكثفات والسوائل بما فيها البنزين الطبيعي والبيوتان والبروبان، إضافة إلى الغاز الطبيعي والإيثان في 2018 في دعم عوائد الربع حيث ارتفع انتاج النفط الخام والسوائل إلى 11,63 مليون برميل يومياً مقابل 11,33 مليون برميل في 2017، وارتفع إنتاج الغاز الطبيعي والإيثان إلى 9,85 مليارات قدم مكعبة في اليوم مقابل 9,67 مليارات قدم مكعبة في 2017. فيما ارتفع إجمالي إنتاج أرامكو من النفط المكافئ إلى 13,57 مليون برميل يومياً في 2018 مقابل 13,22 مليون برميل في 2017 بنسبة ارتفاع 2 %. فيما ارتفع الاحتياطي الإجمالي من النفط المكافئ لطاقة 256 مليار برميل وبلوغ الطاقة القصوى 12 مليون برميل يومياً فيما بلغت قيمة الاحتياطات المسالة 226 مليار برميل في 2018.