ما دفعني لكتابة هذا المقال هو مشاهدة ابني ذي السبع سنوات ذات مساء وهو يعطل تفكيره ويسلم كامل عقله لطفل آخر، ليرمي معه حجراً على سيارة شخص ما (لا نعرف من هو، ولا لماذا كان يرمي تلك السيارة تحديداً)، ولم يجد تنبيهي عليه وتشديد لهجتي عليهما الاثنين بأي نفع، استمر الطفل برمي الحجر مع قليل من التردد والخوف مني، واستمر ابني يقلده، وقطعت نزهتي سريعاً متجهة لمنزلي مع ابني الذي عطل تفكيره، وسألته في طريقنا للمنزل (لماذا فعلت ما فعلت؟) ليجيبني بدوره (ما أدري، قالي ارمي الحجر وأنا رميت) واستطرد قائلاً لتخفيف الأمر عن نفسه (بس حجرتي صقعت الأرض ما صقعت السيارة)، وسألته مرة أخرى (هل ننفذ كل ما يُقال لنا من دون تفكير؟ لماذا جعل الله لك عقلاً في رأسك بدلاً من أن يضعه في رأسه؟ حتى تستخدمه أنت بما يفيدك ومن دون تقليد لأي شخص آخر) وكلاما آخر لست أذكر تفاصيله. أزعجني حقاً ما رأيت، ولكن ما أخافني فعلاً هي حقيقة وجود هذا النوع من التبعية الحرفية لدى عدد لا بأس به من الناس، وتذكرت حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لتتبعُنَّ سَنَنَ من كان قبلَكم، شبرًا بشبرٍ، وذراعًا بذراعٍ، حتى لو دخلوا جُحْر َضبٍّ تبعتُمُوهم»، قلنا: يا رسولَ اللهِ، اليهودُ والنصارى؟ قال: «فمَنْ؟». فالحديث وصف هذه الحالة (التبعية المذمومة) بأدق وصف، تبعية كاملة من دون أي تدقيق أو تفكير، والحقيقة المرّة أن التبعية في هذا الوقت طفحت بشكل خطير جداً وأصبحت ظاهرة مجتمعية تغزو العالم، ولم تعد تبعية دين فقط، بل أصبحوا يتبعون أي شيء لا يشبههم ولا يمثلهم ولا يعرفون حتى لماذا يفعلونه، وكأنهم جميعهم يملكون عقلاً واحداً فقط.. إن صح القول، أصبحوا آلات مسلوبة الفكر والإرادة (أي موجة تمشيهم). وما هذا الانصهار الفكري إلا نتيجة غياب تفكير ناقد متيقظ لما يدور حوله، لماذا كمسلمين نفتقد هذا التفكير العالي؟ مع أن الله قال في الآية السادسة من سورة الحجرات:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فتبينوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ). فإذا كان إسلامي يطلب مني أن أكون دقيقا وأتبين صحة الأخبار المنقولة، إذن أين الخلل؟ من وجهة نظر شخصية، يغلب على ظني أن هذا الخلل جاء نتيجة قصور في فهم ومعرفة معنى التفكير الناقد، وكيفية اكتسابه وتنميته، فلا يصح أبداً إصدار الأحكام جزافاً من دون أدنى تحليل وتدقيق.