نظمت وحدة الدراسات السريرية في المدينة الطبية الجامعية بجامعة الملك سعود مؤخراً يوماً مفتوحاً للدراسات أو التجارب أو الأبحاث السريرية شارك فيه مختلف القطاعات الحكومية والخاصة المعنية بالتجارب السريرية، فما هي الأبحاث السريرية؟ تعد التجارب السريرية خطوة مهمة في اكتشاف علاجات جديدة للكثير من الأمراض، فضلاً عن طرق جديدة لاكتشاف وتشخيص وتقليل خطر الإصابة بالأمراض. كما تُظهِر التجارب السريرية للباحثين والمعالجين ما الذي يعمل وما لا يعمل من التدخلات العلاجية. وتساعد التجارب السريرية أيضاً الباحثين والأطباء في تحديد ما إذا كانت الآثار الجانبية للعلاج الجديد مقبولة عند موازنة الفوائد التي يوفرها العلاج الجديد. وقد أدت الاحتياجات المتزايدة للتجارب السريرية الجديدة في المجالات الطبية المختلفة إلى إجراء أعداد من التجارب السريرية الرصينة في المملكة العربية السعودية. ومواكبة للتطور الذي تشهده المملكة في القطاع الصحي ورؤية 2030، قامت المدينة الطبية الجامعية بجامعة الملك سعود بإنشاء وحدة خاصة بالتجارب السريرية تطبق من خلالها أعلى معايير الجودة في البحث العلمي. وتهدف الوحدة إلى دعم الباحثين الذين يقومون بعمل الأبحاث السريرية وجعل المدينة الطبية الجامعية منصة كبرى للأبحاث السريرية في المملكة والمنطقة. وقد أسست الوحدة عام 2017 وأطلقت رسمياً عام 2018، ورغم قصر عمر الوحدة، إلا أنها نجحت في أن تكون رائدة في هذا المجال في المملكة العربية السعودية وأن تستقطب العديد من التجارب السريرية العالمية بمشاركة باحثين سعوديين. وهدف اليوم المفتوح للتجارب السريرية الذي نظمته الوحدة إلى تعريف العامة والباحثين والجهات المعنية بالخدمات التي تقدمها الوحدة وأهمية مثل هذه التجارب في تطور الطب العلاجي، وجعل المملكة دولة رائدة في مجال التجارب السريرية. كما هدف اليوم المفتوح إلى توثيق العلاقة بين جميع القطاعات المعنية بالتجارب السريرية في المملكة للوصول إلى توصيات وطنية تعنى بتوحيد الجهود بين القطاعات الصحية المختلفة في المملكة فيما يخص التجارب السريرية وزيادة مشاركة المملكة في مثل هذه التجارب العلمية ذات المردود العالي على المستوى الصحي والاقتصادي. وفي هذه السياق، أود أن أذكر للقارئ أن أي علاج جديد أو تدخل علاجي جراحي أو غير جراحي وقبل الحصول على تصريح رسمي باستخدامه لعلاج المرضى يمر بعدد من المراحل البحثية للتأكد من خلوه من الآثار الجانبية الخطيرة، ومن فعاليته قبل طرحه في الأسواق وهذه هي التجارب السريرية التي نتحدث عنها في هذا المقال. فكل عقار جديد يتم اختباره أولاً على الحيوانات للتأكد من عدم حدوث أعراض جانبية خطيرة وعند نجاح العقار في الاختبارات الحيوانية يتم استصدار موافقة من الجهات الرسمية في البلد الذي يجري فيه البحث لبدء الأبحاث السريرية لاستخدامه على متطوعين أصحاء فيما يعرف بالمرحلة الأولى من التجارب. ويمر أي علاج جديد بأربع مراحل بحثية قد تستمر لعدة سنوات وقد تصل إلى عقد من الزمان. وقبل بدء أي دراسة سريرية يتم مراجعتها بشكل دقيق من قبل لجان أخلاقيات البحث العلمي والجهات القانونية للتأكد من سلامة التجارب واتباعها لمعايير الممارسة السريرية الجيدة (GCP). مراحل الدراسات السريرية المرحلة الأولى: ويتم فيها تجربة العلاج للمرة الأولى على البشر بعد اجتياز التجارب على الحيوانات. وتجرى الدراسة عادة على عدد قليل من الأصحاء من 20 - 80 شخصاً للتأكد من خلو العلاج من الآثار الجانبية. ومعظم الأدوية الجيدة تفشل في هذه المرحلة الأولى ولا تنتقل للمراحل التالية. المرحلة الثانية: ويتم في هذه المرحلة استخدام العلاج على مرضى حيث يهدف العقار الجديد إلى علاجهم. ويجرب العلاج في هذه المرحلة على 100 - 300 مريض لتحديد الفوائد العلاجية للعقار الجديد وتحديد الجرعة المناسبة استعداداً للمرحلة الثالثة وقد تستمر المرحلة الثانية لمدة سنتين. وفي حال نجاح المرحلة الثانية، تتنقل الدراسات للمرحلة الثالثة. المرحلة الثالثة: وتعد هذه المرحلة الأساسية في تجربة أي عقار جديد. ويتم في هذه المرحلة تجربة العقار على عدد كبير من المرضى من 1000 - 3000 مريض لتحديد الآثار العلاجية والآثار الجانبية. ويتم حساب عينة البحث بشكل دقيق بناء على نسبة التحسن المطلوبة. وفي هذه المرحلة يُقسَّم المشاركون إلى مجموعتين بشكل عشوائي، مجموعة تحصل على الدواء الحقيقي والأخرى تحصل على الدواء الوهمي ولا يعرف المعالج أو المريض نوعية العلاج، ولكن هناك جهات رقابية محايدة تعرف جميع المعلومات وتقوم بتحليل دوري للنتائج لتحديد إمكانية إكمال الدراسة أو إيقافها. وعند نجاح المراحل الثلاث السابقة يتم تسجيل العلاج رسمياً كعلاج للاستخدام البشري. المرحلة الرابعة: وتتم هذه المرحلة حتى يتم تعريف الأطباء الممارسين بالعلاج الجديد. وتجرى التجارب السريرية في المرحلة الرابعة لتحديد وتقييم الآثار الطويلة الأجل للعقاقير والعلاجات الجديدة على مدى فترة طويلة لعدد أكبر من المرضى. وتجري هذه الأبحاث بعد موافقة إدارة الدواء والغذاء على تسويق العقار الجديد. ومن خلال الدراسات السريرية للمرحلة الرابعة، يمكن اختبار أدوية جديدة بشكل مستمر للكشف عن مزيد من المعلومات حول الفعالية والسلامة والآثار الجانبية بعد اعتمادها للتسويق. وتعد أبحاث المرحلة الرابعة أكثر كثافة وتحديدًا، فهي غالبًا ما تختبر تأثير الأدوية على التركيبة السكانية قيد الدراسة. ويمكن أن يشمل ذلك النساء الحوامل أو الأشخاص الذين يتناولون حاليًا أدوية أخرى لمعرفة ما إذا كان هناك تفاعل بين العقارين. وتُجرى أبحاث المرحلة الرابعة على فترات طويلة وعلى عدد هائل من المشاركين، حيث يمكن تحديد وقياس التأثيرات طويلة الأجل والفريدة بدقة. وقد ذكرت ما سبق للقارئ حتى يطلع على أهمية الدراسات السريرية، ولكي يطمئن بأن أي علاج أو تدخل علاجي يتم الترخيص له من الجهات الرسمية بالطرح في الصيدليات يكون قد مر بالكثير من الاختبارات للتأكد من خلوه من الآثار الجانبية وفعاليته في علاج المرضى. كما توفر الأبحاث السريرية دخل مادي جيد للقطاع الصحي الذي تجرى فيه هذه التجارب وتوفر طرق علاج متقدمة للمرضى، وتوفر الكثير من الفرص الوظيفية في الدول التي تستقطب مثل هذه الدراسات. وما سبق يوضح تحذير الأطباء من استخدام العقاقير التي يتم تسويقها كأعشاب وأدوية طبيعية وخلطات مختلفة لأنها لم يتم اختبارها لا على الحيوانات ولا على البشر مما يفقدها المصداقية في مدى فعاليتها، وكذلك عدم معرفة المعالجين بالآثار الجانبية المحتملة لهذه الأدوية ومدى تفاعلها مع العقاقير الأخرى. لها مردود عالٍ على المستوى الصحي والاقتصادي المعرض المصاحب الذي أقيم بمشاركة عدد من القطاعات الحكومية والخاصة جانب من فعاليات اليوم المفتوح الذي نظمته المدينة الطبية الجامعية