إنّ كثرة الجلوس مع الأشخاص السّلبيين والمهزومين نفسيًّا وأهل الحوارات السّخيفة أو الهدّامة وأرباب الاحترام الإداري الظّاهري تستهلك وقتك وطاقتك العقلية، وتؤثّر - بلا شك - في قدراتك الجسدية، وتشوّش تفكيرك، وتوتّر أعصابك، وستجد هذه النّوعيّات - ولا بدّ - في محل دراستك أو عملك، وربّما بين أصحابك وأقاربك، فحينها تعلم فنّ الانسحاب منهم بهدوء، واستراتيجيّة التّخلص باحترافية؛ لأنّ حياتك يجب أن تكون مليئة بالنّجاحات وكلّ ما هو جديد ونافع، كما أنّها يجب أن تشتمل على الفرص التي يمكن أن تقضي بها أجمل الأوقات وأثمرها وأعلاها عائدًا وأكثرها نفعًا، وأشملها أثرًا، وإن كان ولا بدّ من الجلوس مع هؤلاء الأشخاص الموصوفين بما سبق لطبيعة عملك، أو لحفاظك على ما تبقّى من علاقات اجتماعية، فاجعل ذهنك شاردًا عنهم، وارحل بفكرك وخيالك لطموحاتك ومشروعاتك، وكما قلت مرارًا لمن حولي من طلّابي وأصحابي: عيشوا معهم بأجسادكم، وحلّقوا بعقولكم في العلوّ والتميّز، وردّدوا دوما لهم: رافقتكم السّلامة! وكلمة (رافقتكم السّلامة) تريح النّفس من الأوجاع والأحزان، فقولوا لمن يجرحون مشاعركم ويتتبعون زلّاتكم ويحرصون على إذاعة عيوبكم: رافقتكم السّلامة! ومن المعلوم أنّه ليس هناك ضرر أكثر من ضرر شخص يحاول الاندماج في بيئة مرضية لا تلائمه؟! وتنتشر هذه الظاهرة المَرَضِية في أماكن العمل الضعيفة؛ وخير شاهد على ذلك كثرة الاستغناء فيها عن العاملين، وربّما عن النّابهين لأسباب شخصيّة من دون تحقيق العدالة الإدارية في الاستغناء عنهم، وفي الاستغناء عن هؤلاء النّابهين والمتميّزين من حولك رسالة هادفة وهادئة لك، مفادها بأنّه لا مكان بيننا للنّاجحين والمتميّزين، فكُنْ على أتمّ استعدادك، وقل لهم: رافقتكم السّلامة! وينبغي أن تتنبّه أنّه في مثل هذه البيئات المريضة أو الضعيفة تكون على أتمّ الاستعداد لاحتمال استبدالك في أيّ وقت، ولكن كن واثقًا بنفسك وإمكاناتك حيث لا يمكن تعويضك. ونصيحتي لمن كان هذا حاله لا تَرْكَنْ إلى مؤسّسة ضعيفة أو بيئة مريضة أو مكان غير منضبط للتعريف بنفسك أمام النّاس، ولو كنت عاملا فيها؛ لأنّ اهتزازها اهتزاز لشخصيتك، وضعفها ضعف لك، ومنهجها وطريقة تفكيرها ينسب إليك، فربما يؤثّر فيك مستقبلًا، ولكن كُنْ بنفسك وارْكَنْ إلى مهارة تتقنها أو صنعة تحسنها؛ لتعرف بها؛ وأفضل مهارة وصنعة للتعريف بنفسك هي صناعة العلم والمعرفة، فالعلم أشرف وأنفس مُعَرِّف لشخصيتك، وكم يتمنّى اللّحاق بركب المعرفة كثيرون لكن هيهات هيهات.