إن العمل سُنة الحياة، وقانون الوجود، وعماد الحضارة، وسر تقدم الدول؛ ولذا رغَّب فيه المولى - سبحانه وتعالى - وحضَّ عليه في آيات كثيرة من القرآن الكريم. ليس هذا فحسب، بل مجَّد الإسلامُ العمل ورفعه إلى مكانة سامية؛ حيث كثيراً ما قرن القرآنُ الكريمُ العملَ بالإيمان بالله عز وجلّ، ولم يكتف بالعمل، بل طلب الأعمال الصالحات التي هي كلمة جامعة، تشمل ما تصلح به الحياتان المادية والروحية معاً. وفي ذلك يقول المولى سبحانه وتعالى: «إنَّ الذينَ آمنُوا وعمِلوا الصالحاتِ إنّا لا نُضِيعُ أجرَ مَنْ أحسَنَ عَمَلَاً»، ويقول سبحانه وتعالى: «وَالذِينَ آمَنُوا وَعَمِلوا الصَّالِحَاتِ أولئك أصْحَابُ الجنّةِ هُم فيها خَالِدُون». والعمل في الإسلام ليس سر السعادة في الدنيا فحسب، بل سر السعادة في الدنيا والآخرة معاً، فلا جنة بلا عمل. يقول تعالى: «وَمَنْ يَعْمَل مِنَ الصَالِحاتِ وَهُوَ مؤمنٌ فأولئكَ يَدخلونَ الجنّةَ ولا يُظلمونَ نقِيراً». وقد جعل الإسلام العمل حقاً لكل فرد، لا فرق بين صغير وكبير، وذكر وأنثى، ما دام العمل مشروعاً ومنضبطاً بضوابط الكتاب والسنة. إن على المسلم أن يسعى ويجتهد في سبيل التماس الرزق وتحصيله من خبايا الأرض، كيفما كان العمل الذي يمارسه، زراعة أو صناعة أو تجارة، أو غيرها من أنواع العمل المختلفة، سواء كان يعمل لحساب نفسه أو لحساب غيره؛ لأن العمل من لوازم الحياة لاستمراريتها، ومن دواعي الفطرة؛ ليغني نفسه، ويسدّ حاجته وحاجة أسرته، ويسهم بنصيب ما في تنمية مجتمعه. واستصحاباً لهذه المنطلقات، فإن الإسلام قد أولى المرأة عناية واهتماماً كبيرين، حين أعطاها حقها، وبيَّن منزلتها الرفيعة التي تهدف إلى إعداد أجيال صالحة ورعايتها لخدمة أمّتها. ومن هنا، فقد خاطب المولى - سبحانه وتعالى - المرأة باعتبارها عاملاً، على سبيل التسوية المطلقة بينها وبين الرجل في المسؤولية الوجودية من حمل الأمانة. وأما ما خالفت فيه المرأةُ الرجلَ من أحكام، فهو راجع إلى الطبيعة التكاملية بين الذكر والأنثى، وليس إلى نقص تكويني أو خَلقي في طبيعتها، فقد ينقص الرجلُ في شيء لتكمله المرأة، وقد تنقص المرأة في شيء ليكمله الرجل، سعياً إلى التكامل بين الاثنين، ورغبة في ضمان استمرار الحياة بينهما. إن مشاركة المرأة السعودية في العمل تعدّ منعطفاً مهماً في مسيرتها، ذلك أن مساهماتها في عملية تنمية الدولة قد تطورت وزادت بشكل لافت للنظر، يستحق أن نتوقف عنده بالمتابعة والرصد بعين التقدير والاحترام، كما يتطلب منا الحفاظ على هذه المكتسبات وحمايتها وتطويرها من ناحية أخرى. وفي هذا السياق، يأتي حرص حكومة مولاي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان يحفظه الله، والجهود المبذولة من سيدي سمو ولي العهد الأمين؛ لتوسيع وتطوير حجم مشاركة المرأة السعودية كماً ونوعاً في إدارة عملية التنمية الاقتصادية، برعاية وسن الأنظمة لحمايتها وحفظ حقوقها.