المرأة والرجل صنوان لا يفترقان منذ وجدت البشرية على هذه البسيطة لا غنى للرجل عن المرأة ولا للمرأة عن الرجل وعنهما انبثقت الحياة الإنسانية بكل مكوناتها وأطيافها ومناشطها (وبث منهما رجالا كثيرا ونساء) (النساء:1). وقد خص الله تعالى كل صنف من الرجال والنساء خلقا وتشريعا بما يناسب طبيعته ووظيفته، فليس الذكر كالأنثى، وليس هذا التنوع بمجرده تنقصا لجنس أو تفضيلا لآخر، بل من العجيب أن من قيل فيها (وليس الذكر كالأنثى) (آل عمران:36)، وهي مريم عليها السلام، قد فاقت كثيرا من الرجال، بل برزت على أكثرهم، وحصل بها من المصالح والمقاصد أعظم مما يحصل من كثير من الذكور. وقد سوى الله بين الجنسين - الذكر والأنثى - في التكليف بالعمل والمجازاة عليه، قال الله تعالى: (ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا) (النساء: 124). وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في تعليل حكم من الأحكام كما في الحديث الصحيح عند أصحاب السنن من حديث عائشة: «إنما النساء شقائق الرجال»(1). أي نظائرهم وأمثالهم في الأحكام، فما جاء من تخصيص أحد الجنسين بحكم لابد له من دليل، وإلا فلا فرق بين الرجال والنساء فيه. ومما احتمى فيه معترك النقاش هل المرأة كالرجل في حق الانتخاب والترشيح؟ ويعكر صفو النظر في هذه القضية وأمثالها؛ سطوة التقاليد والمألوف، كما يكدرها سوط الوصم بالرجعية والذكورية. فإذا سلم المرء من هذين صفا له النظر دون تأثر أو وجل. وانطلاقا من كون الأصل في الأشياء الحل، وأنه ليس في الشرع ما يمنع المرأة من أن تنتخب أو ترشح، فإن للمرأة الحق في الانتخاب والترشيح، لاسيما وأن الترشيح والانتخاب هما في حقيقة الأمر نوع توكيل وإنابة من المرشح والمنتخب، والتوكيل صحيح وجائز، وليس من شرط ذلك وصف الذكورية في الموكل. ولو ذهب ذاهب إلى ما هو أبعد من هذا، وذلك بالقول بأن القرآن الكريم والسنة الشريفة قد دلا على مشروعية مشاركة المرأة فيما هو أعظم من مجرد الانتخاب والترشيح، حيث شرع في حق النساء البيعة التي هي أعظم العهود والعقود والمواثيق في الأمم والدول، فأمر الله سبحانه رسوله ببيعة النساء إذا جئن لمبايعته، فقال تعالى: (يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك...) إلى أن قال: (فبايعهن واستغفر لهن الله إن الله غفور رحيم) (الممتحنة:12). وفيما ذكرته كتب التاريخ من مشاورة عبد الرحمن بن عوف الناس في الاختيار بين عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب للخلافة ما يبين أن حق الانتخاب ليس مقصورا على الرجال فحسب، قال ابن كثير في كتابه «البداية والنهاية»(7/ 146) : «ثم نهض عبد الرحمن بن عوف يستشير الناس فيهما، ويجمع رأى المسلمين برأي رؤوس الناس وقادتهم جميعا وأشتاتا، مثنى وفرادى، ومجتمعين، سرا وجهرا، حتى خلص إلى النساء في حجابهن، وحتى سأل الولدان في المكاتب، وحتى سأل من يرد من الركبان والأعراب إلى المدينة، في مدة ثلاثة أيام بلياليها». وأما ما احتج به بعض من يرى المنع من كون الانتخاب داخلا في التولية التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: «لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة» (2). فليس هذا من ذاك، لأن انتخاب المرأة ليس تولية لها، بل هو توكيل منها لمن ينوب عنها في المصالح والشأن العام. وقد حكي الإجماع على أن المقصود بالحديث الإمامة العظمى، وأما ما دون ذلك فمحل خلاف. وحق المرأة في الانتخاب خارج عن ذلك كله. وأما ما ذكر من خشية الاختلاط المحرم فذاك أمر خارج عن محل البحث، إذ ليس هو من لوازم ثبوت حق المرأة في الانتخاب ليقال إنه محرم بسببه؛ لأنه يفضي إليه ويستلزمه. وأما ما أشار إليه البعض من أن منع المرأة من الانتخاب إنما هو سد للذرائع التي ستفتح أبواب الشر والفساد بدخول المرأة معترك الانتخابات، فهذا غير مسلم؛ لأنه ليس كل ما يفترض من محاذير كفيلا بمنع ما تضافرت النصوص والقواعد والأصول على حله وإباحته. ولقائل أن يعكس القضية ويقول إن القول بوجوب منح المرأة الحق في الانتخاب والترشيح أحظ نظرا، وذلك سدا لذريعة تشويه الإسلام وموقفه من المرأة. وفي كل الأحوال ليس ثمة حجة شرعية بينة قائمة في منع المرأة من حق الانتخاب والترشيح. والله الموفق للصواب. * أستاذ الفقه المشارك في جامعة القصيم.