تمتلئ رؤوس كثير من الناس بقناعة أن لديهم أفكاراً مميزة وصحيحة وقواعد صحيحة تبنى عليها كل خططهم وحياتهم وما سواها هي أفكار مشوهة وناقصة ومعيبة ولا يمكن لآذانهم أن تسمع حقيقة غير ما يؤمنون به من أفكار. ولكنّ إن كانت تلك القناعات مبنيةً على الآمال والطموحات والتصورات والموروثات وليس على معطيات العالم الواقعيّ فلا مكان لأفكارهم في الحياة الواقعية بل هي حتماً ما تدفع بهم إلى الخلف وتعطل استمتاعهم بالحياة. دعوني أقرب لكم الصورة.. ينتقد الناس تصرفات بعضهم البعض بناءً على اختلاف أفكارهم وقناعاتهم عن أفكار الآخر فقط لا غير. ومن جانب آخر يعجب الناس ببعضهم بناءً على تطابق قناعاتهم وأفكارهم أو تقاربها. ويتقبل الإنسان مجتمعه والمجتمعات الأخرى بناءً على أفكاره ومدى مرونته وانفتاحه على أفكارهم وتقبلها. فالإنسان منذ ولادته إلى بلوغه يبني قاعدة بيانات خاصة به هذه القاعدة قابلة للحذف والإضافة والتحديث مع عدم المساس بالرواسخ القوية التي هي القاعدة الأساسية الصلبة لكل ما يبنى عليها من أفكار. وهذه الأفكار تبنى من أفكار وقناعات الأسرة والمحيطين والمدرسة والإعلام والموروثات الاجتماعية وحتى السياسية. ثم بعد ذلك يصبح كل منا مسؤولاً عن قاعدة بياناته إن رغب بتطويرها وتحديثها وحذف كل ما هو بالي وغير مقنع أو أن يأخذها كما هي دون تنقيح أو فلترة ويعيش بها بقية حياته. عقولنا كذاكرة الحاسب الآلي تماماً تحتاج دوماً إلى أن نغذيها بكل ما هو جديد ونعمل على تحديثها في فترات متتالية. وسيظل من يرى أفكاره غزلان جميلة ولا يرى أنها بحاجة لتطوير أو تحديث أو مرونة سيظل قابعاً في زاويته يلمس الآخرون تخلفه عن الركب، ولكن يبقى أن نقول إن كل أفكار الإنسان مكتسبة من محيطه وكل مكتسب يمكن تغييره.