وهو بهذا التعبير «التسامح» يعني العلاقة بين طرفين يتبادلان هذا الشعور. وهو مبدأ أخلاقي قد يكون ناشئاً عن اعتقاد ديني، وقد يكون عن اقتناع عقلي وفلسفي. ونحن هنا سنتحدث عنه من مبدأ التنظير الإسلامي له، وأنت إذا قلت: «التسامح» فلا بُدَّ أن تعرج «أولاً» على السماحة باعتبارها مقصداً عظيماً من مقاصد الإسلام، بل ذكر العلماء المقاصديون أن السماحة: «أول أوصاف الشريعة وأكبر مقاصدها» وهكذا وصف النبي صلى الله عليه وسلم ما بعثه الله به من هذا الدين القويم، بقوله: (أحب الدين إلى الله الحنيفية السمحة) وفي حديث آخر: (بعثت بالحنيفية السمحة)، ومدح المسلم الذي يتخذ من التسامح طريقة له في تعاملاته اليومية بقوله عليه الصلاة والسلام: (رحم الله امرأ سمحاً إذا باع سمحاً إذا اشترى سمحاً إذا قضى سمحاً إذا اقتضى). والسماحة هي ما شرّعه الله تعالى في هذا الدين من اليسر ورفع الحرج والتوسط بين الإفراط والتفريط، والأدلة على ذلك كثيرة جداً كقوله تعالى: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) وقوله: (وما جعل عليكم في الدين من حرج) وقوله: (وكذلك جعلناكم أمة وسطاً). ولما كانت الشريعة الإسلامية على هذا الأصل من السماحة؛ كانت أشد ملاءمة للنفوس؛ لأن فيها إراحة للإنسان في حال خاصة نفسه، وفي حال عموم مجتمعه. على كل فإنَّ استقراء الشريعة يدل على أن السماحة من مقاصد هذا الدين، ومن السماحة نصل إلى التسامح، أي من الدين الإسلامي إلى المسلم الذي يطبق هذا الدين، فإذا كانت الشريعة الإسلامية على هذا القدر العظيم من السهولة المحمودة التي لا تفضي إلى ضر أو فساد؛ كان المسلم - أيضاً - هيناً ليناً، يعامل غيره بمبدأ الإحسان ولا يسمح أن ينزل عن مبدأ العدل. وقد انتبه علماء الإسلام لذلك، وقرروا بنص العبارة: «أن الحاجة إلى السماحة عامة لجميع بني آدم، ولا تقوم مصلحة دينهم ودنياهم إلا بذلك». فهم هنا لا يقرؤون التسامح في النطاق الإسلامي وحسب، وإنما في النطاق الإنساني باعتباره داعماً أساساً للعلاقات البشرية. كما قرروا أيضاً: أنه كان للتسامح أثر كبير في انتشار الإسلام وذيوعه في الآفاق؛ لأن هذا التسامح يحاكي الفطرة الإنسانية السوية. ونستطيع أن نقول بكلمة موجزة: التسامح مبدأ إسلامي، ومن المهم تحديد مفهومه وضرب الأمثال لصوره، والعمل عليه وإشاعته وتربية الأجيال عليه ومصلحته ظاهرة جداً، ولا ينبغي التواني عن ذلك؛ فهو مهم لبناء الأوطان، ومهم لتقويم الإنسان، ومهم لعمارة الأرض وإصلاح المعاش.