لا تعني الكوميديا أن يكون الإسفاف أسلوبا لجلب الضحك واستدراره من الأفواه، أو طريقا يضطر إلى أن يسلكه «الكوميديان» لصناعة النكتة الحاضرة في الموقف وارتجال الطرفة، ولو تمّ هذا على حساب أخلاقيات المجتمع فلا يمكن أن يكون ذلك المعنى الصحيح لفن الكوميديا. فمن جماليات المسرح عموما أن يرسم الابتسامة على وجوه الحاضرين، ويقدم التجربة، ويعكس المواقف الحياتية بكل آلامها وطرافتها، وعرضها في قوالب كوميدية من دون إسفاف أو خدش مشاعر. من منّا لا يعلم بالأثر السلبي في سلوكيات الطلاب منذ عرض مسرحية «مدرسة المشاغبين»، وكيف انعكس ذلك على علاقة المعلم بالطالب، وعلاقة المدرسة والمدرسين بالمجتمع؛ حتى وصفت المسرحية بالكارثة الأخلاقية التي سممت أخلاقيات الطلاب؟ اليوم مر بنا مشهد ذلك «الاستناد كوميدي» أو المهرج بلغة المسرحيين، وهو يلقي على سمع ثلة من الحاضرين محتوى غير موفق. وحقيقة عندما أشاهد بعض مقاطع الاستناد الكوميدي المترجمة لكثير من أصحاب هذا الفن الغربيين، أدهش حينما أسمع الجملة اللطيفة والكلمة المعبرة والنكتة الرصينة والمعالجة الفاعلة لقضايا المجتمع التي يتناولها أبطال هذا الفن عندهم، بعكس ما أشعر به من «خجل» حينما أشاهد مقاطع عندنا لسعوديين وعرب، فأسمع بعضهم ولا «أعمم»، وهو يستخدم تعبيرات مخجلة، وإشارات سيئة، وإيحاءات خادشة، وسط ضحك وتصفيق لهذا الإسفاف الأخلاقي، فأقول: لا عجب أن يستمر هذا وغيره في ممارسة إسفافه؛ لأنه وجد جمهورا يدعمه رغم استهدافه منظومة القيم الأخلاقية في المجتمع. هل يظن بعض الذين يعملون في مجال الاستعراض الكوميدي، أن عليهم حتى يصلوا إلى كمية الضحك المطلوب وجذب الجمهور، وتحقيق الشهرة والنجومية أن ينسوا أن المجتمع الذي يعيشون فيه، له تركيبة معينة من المحافظة الدينية والاعتدال، وأنه مجتمع يحترم قيمه، وينبذ التطرف والانحلال معا؟ حقيقة لسنا في حاجة إلى مسرح أو فن، لا يقدم لنا شيئا يفيد العقول ويرتقي بالسلوك، وهو يسهم في تكريس لغة سوقية، وأخلاقيات هابطة، وأفكار شاذة. يجب على كل من يتقدم إلى مسرح الاستناد الكوميدي وهو يسوق خطاه إلى المسرح، وينظر إلى جمهور المتلقين من أطفال وأسر وشباب من الجنسين، أن يستحضر القيم الدينية والتقاليد والأعراف والقيم المجتمعية والأخلاقية، وأن يأتي ومعه أهداف سامية، تسمو بأفراد المجتمع، وأن يبتعد عن تقديم أي ثقافة سلبية منحطة، وأن يعلم أنه ليس مضطرا إلى أن يستخدم الإسفاف لجلب الضحك، فهو يريد أن يصنع وعيا إيجابيا، ولو كان الضحك جزءا من المهمة التي يقوم بها.