«حتى الابتسامة أصبحت بثمن»، بهذه الجملة أبدى أحد شباب جدة امتعاضه الشديد من المبالغ المالية الأكثر من متوسطة، بحسب قوله، التي يفرضها القائمون على تنظيم عروض «ستاند أب كوميدي»، بهدف إدخال السرور على الحاضرين، ورسم الابتسامة على من أرادوا تبديد همومهم وكسرها ب «ضحكة» تملأ المكان. ولم يجد كثير من شباب جدة متنفساً يدخل السرور إلى قلوبهم، ويؤنس وحشتهم أقرب من الاستماع إلى «النكات» المسلية، وبخاصة التي تكون في حضرة مجموعة من الشباب، إذ تتسع فجوة الاستئناس و«الانبساط»، بحسب كثيرين، مع اتساع فتحة «الفم»، وهي أشبه بعلاقة طردية، فكلما ازدادت «الطرفة» تفصيلاً وحبكة، كلما ازداد حجم «الانبساط» أثراً على صاحبها، وبالتالي على وجوه الحاضرين. عرض «ستاند أب كوميدي» الخميس الماضي، الذي نظمه «نادي جدة للكوميديا» حصد حضوراً للجنسين فاق التوقعات، ورغم أن حضور الفعالية كان يتطلب تبكيراً لحجز مقعد مناسب، إضافة إلى رسوم مالية أكثر من متوسطة (125 ريالاً للعرض الواحد)، إلا أن الأسماء التي شاركت في إحياء العرض استطاعت جذب عدد من الحضور غير معتاد في حضور مثل هذه الفعاليات. ويقول الكوميديان خالد بامشموس أحد المشاركين في تقديم عروض «ستاند أب كوميدي» خلال حديثه إلى «الحياة» إن «النكتة تولد من رحم المعاناة»، إذ إن المشكلات والضغوط النفسية التي يعاني منها كثير من الناس اليوم، هي السبب الرئيس في بحث البعض عن «الاستئناس» والتجمعات التي يكثر فيها من يسمى ب «الكوميديان». وأكد بامشموس صعوبة فن «ستاند أب كوميدي» مقارنة بالتمثيل الكوميدي، بسبب أن العرض الكوميدي يعتمد على شخص واحد على خشبة المسرح، ويُطلب منه إدخال السرور على الحاضرين، في حين أن التمثيل الكوميدي يعتمد على مجموعة من الأشخاص الذين يشاركون في صناعة نكتة جماعية، وهو أسهل بكثير في رسم الابتسامة على المشاهدين، لافتاً إلى أن امتلاء القاعة التي تُنفذ فيها عروض «ستاند أب كوميدي» التي تتسع لنحو 200 شخص يعكس مدى حاجة الناس لمزيد من هذه العروض. وأفاد بأن أشد أنواع الكوميديا يتمثل في «جلد الذات»، إذ إن النكتة في هذه الحالة تعتمد على موقف معين يتعرض له «الكوميديان»، ويطرحه على الحضور بطريقة كوميدية ساخرة، بهدف تقديم «نُكت» جديدة وخاصة، وبهذا يتميز الكوميديان عن غيره من المشاركين في تقديم العروض. ولم تنحصر موهبة صناعة النكتة على الشعب المصري الذي يرتفع معدل «خفة الدم» لديه حتى في قمة الأحزان والأزمات، لتخرج «النكتة» وتعبر عن الحالة التي يعيشها المصريون، إنما يتهافت كثير من السعوديين على تصدير «النكات»، وبخاصة في الحوادث التي تعيشها المنطقة بين الفينة والأخرى، وتتركز «خفة الدم» في مواقع التواصل الاجتماعي عبر «وسم» سرعان ما ينتشر بين حسابات المشتركين، ليحصد معدلات كبيرة من الساخرين والراغبين في الاستمتاع ببعض «الطُرف». من هنا، جاءت فكرة «نادي جدة للكوميديا» لتنظيم عروض «ستاند أب كوميدي» بشكل شبه دوري، واستهداف شريحة الشباب للحديث عن الجوانب الساخرة في حياتهم، إذ يقدم العارضون نوعاً من الكوميديا المباشرة من دون الاستعانة بالدراما، يقفون على المسرح، ويتحدثون ارتجالاً وبشكل طبيعي، لا يملكون إلا أصواتهم المنفردة ولغة جسدهم، بغرض انتزاع الضحكات من وجوه من ذاقوا مرارة الألم. وتتفاوت أعمار المشاركين في النادي بين 20 و30 عاماً، ويختلف مضمون أدائهم عن أسلوب الفنانين المحترفين، فطبيعة سخريتهم ومواضيعهم أقرب إلى حياتهم وحياة جمهورهم، يمسكون بالميكروفون لنحو 10 دقائق، يتحدثون ويضحكون ولا يروون «نكاتاً» أو أغاني فكاهية، إنما يلامسون مباشرة مناطق الطرافة والهزلية من حياتهم الروتينية المعتادة. وتتنوع مصادر الطرفة و«النكات» لمتعاطيها بين رسائل نصية على الهاتف الجوال، ومواقع التواصل الاجتماعي، إضافة إلى رسائل «بلاك بيري»، وانتهاء ببرنامج «واتس أب»، بينما يفضل بعض الشباب أن يستمتع بها في الجلسات التي يجتمع فيها أكثر من شاب بحجة أن يكون للطرفة صدى أكبر، كون أن صوت الضحكة لدى البعض هو أكثر ما يجلب السعادة للآخرين.