سبق أن كتبت مقالا بعنوان "جلسات تحضير المبدعين"، قلت فيه إن المبدعين لا يختفون، ولكننا نعجز فقط عن اكتشافهم.. بمجرد أن تمنحهم فرصة الظهور، ستفاجأ بحضور أعداد هائلة منهم لدرجة تتساءل عندها: من أين أتوا؟ وأين كانوا؟ وفي ختام ذلك المقال، طالبت بإنشاء مسابقات وطنية ومدرسية موسمية لاكتشاف المواهب في كل مجال، وبطريقة لا تختلف عن برامج المنافسات التلفزيونية؛ لاكتشاف أجمل الأصوات الغنائية. واليوم (وبما أنه لم تظهر أي مسابقة من هذا النوع)، أود لفت انتباهكم إلى دور شبكة الإنترنت نفسها في اكتشاف الموهوبين، وخلق المبدعين، وتعريف العالم بأعمالهم.. فظهور الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي أتاح لملايين الناس فرصة نشر أفكارهم ومواهبهم الخلاقة من خلالها.. ومجرد إتاحتها فرصة الظهور لملايين الناس خلق (وسيخلق بمرور الأيام) صفوة من العباقرة ونخبة من المبدعين لم نكن لنسمع عنهم لولا وجود الإنترنت. دعنا نضرب مثالا بمجال الأدب والكتابة والنشر.. فحتى وقت قريب كان "واحدا" من بين "عشرة آلاف" تتاح له فرصة نشر إنتاجه الشعري أو الأدبي في الصحف ووسائل الإعلام الرسمية.. أما اليوم فيمكن لجميع (العشرة آلاف) التعبير عن مواهبهم في فضاء الإنترنت.. حتى وقت قريب كنت أقابل شبابا موهوبين يشتكون من عدم منحهم فرصة الظهور في الصحف والمحطات التقليدية؛ فأبتسم وأقول: ولماذا تريدون الكتابة في الصحف ولديكم شبكة الإنترنت التي تفوقها انتشارا وسرعة تأثير؟ لماذا تتزاحمون على الصحف والقنوات، في حين أتاحت الإنترنت لكل إنسان إنشاء برنامجه الخاص على "يوتيوب" و"السناب شات".. أخبرهم بصراحة أن (وسيلة النشر) لم تعد مشكلة كون الجماهير ستتابعك (في حال كنت موهوبا ومميزا) في أي مكان تنشر فيه أفكارك ومقاطعك وإبداعاتك! ويمكن قول الشيء نفسه عن كل التخصصات العلمية والفنية والأدبية والمواهب الفريدة، فكثرة قاعدة المستخدمين تعني تفوق وكثرة النُخب الموجودين في أعلى الهرم.. ففي حال علمنا بأن الإنترنت وصلت اليوم إلى نصف سكان العالم (وهو ما يعني 3,75 مليارات إنسان).. وفي حال افترضنا أن واحدا (من كل ألف فقط) كان مبدعا أو موهوبا في جانب معين، فهذا يعني وجود أكثر من 37 مليون مبدع حول العالم يعيشون بيننا اليوم. أما في حال كنا أكثر تشددا، وافترضنا أن عباقرة بمستوى أديسون وسقراط وابن سينا لا يظهرون إلا بمعدل واحد فقط (من كل مليون مستخدم)، فهذا يعني أن الإنترنت حبلى (الآن) ب3750 عبقريا بمستوى أديسون وسقراط وابن سينا! والسؤال مرة أخرى: لماذا لا نراهم؟ ولماذا لم نسمع عنهم؟ ولماذا يدخلون التاريخ؟ وهل كثرتهم هذه الأيام السبب في عدم بروزهم وتفردهم؟ المؤكد أن الإنترنت مليئة اليوم بعباقرة وموهوبين (قد تصعب رؤيتهم)، ولكن يسهل العثور عليهم ب"جلسة تحضير" بسيطة ينظمها الشيخ "جوجل".