نتقبل بسذاجة فكرة أن معظم العباقرة لم يحصلوا على شهادات ولم يدرسوا في الجامعات!! هل سألتم أنفسكم مرة لماذا؟.. هل خطر ببالكم أنهم الفرقة الناجية من جحيم الفصل وعمليات الصب والقولبة التي تفرضها المدرسة؟.. هل خطر ببالكم أنهم الفئة الأكثر ثقافة وانفتاحاً واطلاعاً - ليس بسبب المدرسة - بل بسبب أنهم تركوا المدرسة، وقدرتهم المبكرة على تعليم أنفسهم بأنفسهم.. هل لاحظتم أن هؤلاء (الذين لم يدرسوا في الجامعات) هم من أصبحت إبداعاتهم تُدرس اليوم في الجامعات.. الظاهرة ليست حديثة ولا تقتصر على أديسون وأينشتاين وداروين وفورد (الذين لم يكملوا تعليمهم الرسمي) بل وحتى الرازي والبيروني وابن سينا وابن حيان الذين عاشوا في زمان لم تكن فيه المدارس ولا الجامعات قد اخترعت بعد... تقييم العبقرية بناء على التفوق الدراسي والشهادات الأكاديمية أمر ليس خاطئاً فقط، بل وتضمن مغالطة تدمر الطموح ذاته.. فهناك فرق شاسع بين العبقرية والتفوق الدراسي، بين موهبة الإبداع وموهبة الاستيعاب، بين القدرة على الابتكار من الصفر، والقدرة على تجاوز الصفر في الامتحانات.. .. ما يجعل الأمر مربكاً في أذهان الناس هو أنهم يخلطون دائماً بين العبقرية، والتفوق.. فالعبقرية حالة ذهنية خاصة تتطلب مواصفات استثنائية مثل: التمرد على المعتاد، والجرأة في الطرح، واستيلاد المعرفة، والقدرة على تمييز المعضلة أو خلقها من العدم... في حين قد يأتي التفوق الدراسي نتيجة دوافع خارجية كاهتمام الوالدين، أو ضغط المجتمع، أو الحرص على نيل شهادة أكاديمية للحصول على وظيفة أفضل! العبقري الحقيقي يمكن أن يأتي في آخر السلم الدراسي (ليس بسبب غبائه) بل بسبب تجاهله الطوعي لمناهج دراسية وضعها أشخاص أقل منه ذكاء.. حين نراجع سير العباقرة والعظماء نجد أن معظمهم اُتهم بالتخلف الدراسي بسبب الإهمال وعدم الاهتمام - وليس بسبب قلة الذكاء أو التخلف الذهني.. من دون شك هناك طلاب أذكياء ولكن من الضرورة التمييز بين الذكاء والعبقرية.. فالذكاء جزء من مكونات العبقرية وليس العكس (بمعنى كل عبقري ذكي، ولكن ليس كل ذكي عبقرياً).. قد تصل درجة ذكاء البعض إلى 200 درجة (ويملكون شهادات من أرقى الجامعات) ومع ذلك لا يملكون موهبة الإبداع والابتكار.. وفي المقابل قد يملك موهبة الإبداع والابتكار ميكانيكي أمي (لم يدخل المدرسة) وبالكاد تصل درجة ذكائه لمئة درجة!! وبناء على كل هذا راقب طفلك جيداً.. في حال كانت درجاته الدراسية سيئة، ولكنه يملك ذكاء واضحاً ومواهب مميزة فهو في الغالب عبقري صغير عجزت المدرسة عن التأقلم معه (وليس العكس).. بدل توبيخه وإجباره على مناهج ضيقة ومحدودة، حاول تطوير قدراته من خلال التجاوب مع مواهبه ومنحه حرية قراءة الكتب التي يختارها بنفسه.. وصدقني لن تندم مستقبلاً حتى لو اضطررت لإخراجه من المدرسة.. Your browser does not support the video tag.