يشكل الموهوبون نسبة تتراوح مابين 2- 3 % من إجمالي السكان كما تدل على ذلك بعض الإحصائيات الحديثة. والموهوبون والمبدعون هم الفئة التي تعتمد عليها الشعوب والأمم في النهضة الحضارية، ومنها التقدم العلمي والتقني، بالإضافة إلى الإبداع الثقافي والفني وتطبيق الأفكار المفيدة لتقدم الأمم. ولا شك أن المملكة العربية السعودية من الدول التي تحتاج كثيراً إلى الموهوبين بمختلف فئاتهم وخاصة فئة العلماء والمخترعين أكثر من فئة الشعراء والأدباء، وهذا لا يعني إننا لا نحتاج إلى الأدباء والشعراء، ولكن حاجتنا في المستقبل ستكون أكثر تركيزاً على فئة المبدعين في المجالات العلمية والتقنية. ونحن في المملكة العربية السعودية محظوظون بوجود عدد كبير من المبدعين والموهوبين في مجال الفكر والأدب والشعر والثقافة. ولكن دورنا العلمي لم يبرز بشكل جيد حتى الآن، كما أن نسبة الموهوبين في مجال العلوم والرياضيات والتقنية لازال محدوداً!!. ويبدو أن عدم ظهور كثير من الموهوبين والمبدعين في المملكة، خاصة في مجال العلوم والتقنية يعود في الدرجة الأولى إلى تقليدية المناهج، وعدم مسايرتها لروح العصر، كما أن كثيراً من هذه المناهج تكون مثقلة بالمقررات الدراسية دون التفاعل الحقيقي بين الطالب وما يقرؤه، وكيفية تطبيقه على الواقع، وعدم وجود أماكن مناسبة لتطبيق المعرفة العلمية أو التقنية. ولو عدنا إلى ماقام به بعض العلماء الموهوبين في العالم لوجدنا أن كثيراً منهم ظهرت مواهبهم وعبقرياتهم من خلال الاحتكاك بالواقع وبالبيئة المحيطة. ويمكن أن يستعرض الإنسان ماقام به بعض علمائنا المسلمين مثل البيروني وابن سينا وجابر بن حيان والحسن بن الهيثم وغيرهم، ليرى أن توظيف مواهبهم وتفكيرهم العلمي أدى إلى تقدم البشرية. أما في الغرب فلا شك أن نموذج توماس أديسون وغيره يوضح كثيراً من الأفكار حول إمكانية زرع المواهب والتعرف على المبدعين والموهوبين والمخترعين. وعندما شاهد المخترع الإنجليزي جورج ستيفنسون الآلة البخارية الثابتة ودرس طريقة تشغيلها لم يشرع في العمل على صنع صورة أو نسخة منها، بل طبق المبادئ التي تعلمها في صنع آلة تتحرك على جميع الخطوط، وتسحب أثقالاً وراءها. وهذا هو جوهر الموهبة الذي يتلخص في أن يدرس الموهوب كل شيء في مجال موهبته، ويعطى الفرصة كاملة للتخيل والإضافة والإبداع. إن الإبداع والموهبة يحتاجان إلى تربة خصبة وإلى تشجيع مستمر، وإلى كسر حاجز الخوف أو التقيد بحفظ المقررات الدراسية أو التمسك بما قاله مدرس العلوم والرياضيات فقط أو السباحة في بحر الواجبات التي لا تنتهي!! إننا في حاجة فعلاً إلى مدارس وجامعات تعطي الطالب الفرصة للتعبير عن أفكاره العلمية وعن إبداعه وموهبته. فإذا أثبت الطالب أنه موهوب ومبدع، فلا شك أن قرار توظيف موهبته وإبداعه هو مسؤولية جميع قطاعات الدولة وليس مسؤولية وزارة التعليم فقط. إن عدم ظهور الموهوبين بشكل واضح وخاصة الموهوبين في المجالات العلمية والتقنية يحتاج إلى مزيد من الدراسة، والدعم المادي والمعنوي، وخاصة من القطاع الخاص الذي سيكون المستفيد الأول من الموهوبين والمبدعين من علماء ومخترعين ومفكرين. إننا نعيش حاليا في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله-..هذا العهد الزاهر الذي يشجع الموهبة والإبداع والاختراع.. فهل نشهد مزيداً من الموهوبين والمخترعين في جميع مجالات الحياة؟.