الحب يعني الوجود، وجوهره أن تحب لغيرك كما تحب لنفسك، ربما تحب ذاتك أكثر، ولكن ألا تضر الآخرين بأنانيتك المفرطة. وهو أسمى شيء في هذا الوجود، وهو كذلك القيمة العليا في الحياة؛ إن حافظنا على جماله نكن جديرين بفن الحياة وتذوق جمالها الطبيعي. الحب يعني امتلاك الشيء والحفاظ عليه، وهو أسمى مما أقول، فالحبُ هو الجمال الحقيقي للإنسان، والروح الكامنة في خلجات أنفاسه، ولا يعمل الإنسان عملاً أراد أن يتقنه إلا بالحب، وأعلم أن لا شيء يسبق الإخلاص إلا الحب، وليس الإخلاص كالإتقان فهناك فروقٌ طفيفة. فالإتقان أمره سهل؛ فهو بصماتٌ ولمسات أخيرة ينجزها العامل بظواهرها الشكلية. أما الإخلاص فما يتركه الإنسان من أثر جميل ونفسٍ عميقة يشعر الرائي بوصول الجمال إلى صدره وقلبه من دهشة ما لمسه بإحساسه. اليوم نقف خاشعين أمام عظمة الآثار القديمة التي نحتها وبناها الأموات كمدائن صالح، وأهرامات الجيزة، وأسد بابل، وغيرها من آثار تركها الأقدمون لتعبر عن وجودهم بقلوبنا وذاكرتنا. ونحن في عجب العجاب من إخلاصهم وإتقانهم لتلك الصروح المثيرة بحبٍ عظيم. وحتى أنتم يا معشر الكتاب والرسامين، أحبوا عملكم يخلدكم التاريخ بسيرةٍ عطرة. الحب مزروعٌ في القلوب بلا تأشيرة دخول أو إذنٍ مسبق. "فالحب لا يعطي إلا من ذاته، ولا يأخذ إلا من ذاته والحبُ يملك ولا يملكهُ أحد؛ فالحب حسبه أنه الحب"؛ هي روائع قالها فيلسوف الحكمة والأدب جبران خليل جبران (1883 - 1931). ومن ذاته ينثر الأحلام ويذهب الأحزان. لنبدأ بالحب قبل كل شيء، حتى ونحن في لقاءاتنا، في حواراتنا، في حل مشكلاتنا، في كل شيء في حياتنا نبدأ باسم الحب لتهدأ النفوس. وإن اختلفنا على شيء لنتذكر أن جوهر وجودنا هو الحب، الرابط المقدس الذي يجمعنا على خيرٍ، فهو لا يعيش وسط الأشقياء الكارهين لكل جميل؛ لأن الجمال منبعه الحب، والقبح منبته الكراهية. حتى لو أردت أن تبني أسرة صغيرة لا ترفع دعائمها إلا بالحب؛ فالمال والجاه؛ لا يجلبان السعادة ولا الود. ومن هنا تبدأ دورة الحياة، ولتكن مع الحب قبل أي وردة تزرعها. ولنكن أوفياء لهذه النعمة الربانية التي استودعها الله في قلوبنا قبل خروجنا إلى الحياة وأهوالها ورياحها العاتية؛ التي تحمل تناقضاتها وجمالها وفنونها.