عند استعراض قوائم العاملين في المجموعات العائليّة يتّضح بشكل جليّ أنّ لها مدرسة خاصّة في استقطاب الموارد البشريّة والحفاظ عليها؛ وستجد في الغالب أنّ هذه المنشآت تعتمد في المراكز القياديّة على عدد محدود من العناصر البشريّة التي استقطبتها واعتادت على العمل معها لسنوات طويلة. هذا النّمط في تركيبة منظومة الإدارة في المنشأة العائليّة يعطي المنشأة ثباتا واستقرارا؛ وهذا أمر محمود بلا شكّ، لكنّ هذه الحالة الإداريّة قد يصعب معها تقبّل التّغيير المبني على أسس الحوكمة وفصل الملكيّة على الإدارة. إنّ هذه الموارد البشريّة التي تعمل في المنشأة لسنوات طويلة توثّق ارتباطها حتّى أصبحت كأنّها جزء من العائلة وليسوا فقط موظّفين في المنشأة، وعليه فإنّ تطبيق الحوكمة الّذي يقتضي فصل الملكيّة عن الإدارة سيتطلّب التّعامل مع هذه العلاقات القويّة التي تربط هذه العناصر بالعائلة بشكل مدروس وحصيف. تواجه المنشأة العائليّة هذا التّحديّ بشكل خاص حين يتمّ استقطاب رئيس تنفيذيّ جديد (من خارج العائلة) وبشكل أخصّ إذا كان الرّئيس الجديد ذا نمط (براغماتي متطرّف) وليس لديه وعي واسع وخبرة سابقة في العمل في المنشآت العائليّة، وتواجه المنشأة مقاومة مختلفة حين تجنح إلى التّنظيم وتقنين الصّلاحيّات وتوزيع المسؤوليّات وتوصيف الوظائف وتقويم الأداء وغيرها من الخطوات الأساسيّة في عمليّة فصل الملكيّة عن الإدارة. يمكن تقسيم الموارد البشريّة القديمة إلى قسمين؛ الأوّل من يشغلون المراكز القياديّة في الإدارة العليا والمتوسّطة، والقسم الثّاني بقيّة الموظّفين الّذين ليس لديهم أعباء إشرافيّة، بالنّسبة للموظّفين العاديّين أكبر مشكلة يواجهونها أنّ الأكثر منهم قد فاته التّطوير الوظيفي وليس لديه التّأهيل العلمي والمهني الكافي الّذي يمكّنه من العمل لدى منشأة أخرى في حال نتج عن عمليّة التّغيير الاستغناء عن خدماته، وأحيانا ربّما يكون لديه تأهيل لا بأس به يمكنّه من العمل في منشأة جديدة لكنّه من النّاحية النّفسيّة يجد صعوبة كبيرة في تقبّل الانتقال خاصّة إذا كانت علاقته بالملّاك مباشرة. لا يختلف الحال كثيرا بالنّسبة لشاغلي الوظائف القياديّة أيضا ففي الأعمّ الأغلب أنّهم لم يستثمروا في أنفسهم ولم تستثمر فيهم المنشأة العائليّة التي يعملون فيها في التّدريب والتّطوير لذلك جلّ خبرتهم اكتسبوها على رأس العمل فصارت مفصّلة على حجم ومقاس واحتياج المنشأة. يواجه أصحاب المنشآت العائليّة في تعاملهم مع هذه المجموعة من قدامى الموظّفين نوعين من الهموم الأساسيّة؛ الأوّل نفسي وأخلاقي في صعوبة الاستغناء عن خدماتهم بعد هذه السّنوات الطّويلة خاصّة الموظّفين الّذين كبرت سنّهم ولم يكملوا بعد تأسيس الاحتياجات الأساسيّة لأسرهم، والهمّ الآخر -وهذا يخصّ شاغلي الوظائف القياديّة غالبا- أن تضطرب المنشأة وتواجه مشكلات ومخاطر غير محسوبة في حال فقدت عناصرها القياديّة أو بعضا منها. إنّ ممّا يغفل عنه قادة التّغيير في المنشآت العائليّة -خاصّة من يخوض مثل هذه التّجربة للمرّة الأولى- فهم طريقة إدارة هذه العناصر القديمة للعمل ومنظومة العلاقات والممارسات (غير المكتوبة) التي تسيّر العمل وتحقّق المبيعات وتحلّ المشكلات عند حدوثها، هذه العلاقات والممارسات لا تقتصر فقط على ما يجري داخل المنشأة بل يتعدّاه لتشمل شركاء المنشأة من المورّدين والعملاء ومقاولي الباطن، بمعنى آخر هذه القيادات القديمة لا يقتصر دورهم على مناصبهم الرّسميّة بل يتعدّاه إلى إدارة أشبه ما يكون بدولة عميقة وشركة خفيّة تعمل داخل الشّركة الظّاهرة، وبناء على ذلك فإنّ التّعامل مع هذه العناصر ليس بالسّهولة التي يتصوّرها من لا يعرف أسرار العمل في المنشآت العائليّة؛ والتّعامل الأمثل مع هذه الحالة الإداريّة له أساليب وطرق مجرّبة نستعرضها بعون الله في مقال مقبل.