في علم الأمراض؛ كل بيئة جديدة تستدعي معها ظهور أمراض جديدة.. وهذا هو سر اختفاء بعض الأوبئة القديمة، وظهور أمراض جديدة لم تكن معروفة في العصور القديمة مثل الإيدز وانفلونزا الطيور وفيروس الأيبولا (ناهيك عن الارتفاع الحاد في نسبة المصابين بالسكري والتوحد وانسداد الشرايين).. ومبدأ توالد الأمراض هذا تمت الإشارة إليه لأول مرة في حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم: "لم تظهر الفاحشة في قوم قط، حتى يعلنوا بها، إلا فشا فيهم الطاعون، والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم" (ابن ماجه/ كتاب الفتن). ورغم أن الحديث يخص شيوع الفاحشة وتسببها بأمراض جديدة؛ يفيد أيضاً بإمكانية توالد الأمراض وظهورها بما يتناسب مع التغيرات في كل عصر.. والحقيقة هي أن الطابع الصناعي والاجتماعي الذي يميز مجتمعاتنا ومدننا الحديثة جلب معه أيضاً أمراضاً وعللاً مميزة؛ فالسلالات الجديدة من البكتيريا والجراثيم المتحورة (ردة فعل) لاستعمالنا المفرط للمضادات الحيوية. والبكتيريا آكلة لحوم البشر ظلت طوال تاريخها "بكتيريا مسالمة" قبل أن تثيرها أساليب حفظ وتجميد الأطعمة الحديثة. وفي الصين ظهر نوع جديد من الأنفلونزا بسبب تربية الخنازير مع البط في مكان واحد. ولعل أخطر ما يميز هذا العصر هو إمكانية الاتصال الكبيرة بين الأمم (وخلال ساعات قليلة فقط).. ففي الماضي كانت الأوبئة محصورة فى مناطق محدودة لانعدام المواصلات وصعوبة الانتقال، أما اليوم فالطائرات وسفن الشحن تقوم بدور خطير وغير محسوب يتمثل في نقل الجراثيم والميكروبات والمجهريات الدقيقة والعوالق البحرية إلى كل مكان في العالم (فمن المعتقد مثلاً أن توحد سلالات الجراثيم المسببة للسل يعود إلى انتشارها من المطارات الدولية)! أما العجيب أكثر، فهو أن ظاهرة توالد الأمراض الجسدية، ترافقت مع توالد أمراض ومشاكل نفسية لم تكن معروفة لدى أجدادنا والأجيال القديمة من قبلنا.. سبق وكتبت مقالاً بعنوان (مريض بالسوشيال ميديا) أشرت فيه إلى ظهور حالات هلع نفسية جديدة تناسب الروح التقنية لعصرنا الحديث (كفوبيا الطيران والمصاعد وكاميرات المراقبة) كما اتضح أن نسبة الكآبة والقلق والعزلة ترتفع لدى مدمني مواقع التواصل الاجتماعي (خصوصاً الفيسبوك والانستغرام والسناب شات التي تفوق في قوة إدمانها السجائر والكحول).. باختصار شديد؛ كثير من المتغيرات التي تعيش فيها يمكنها التسبب بمرضك أو الإساءة لصحتك.. وكثير مما يسيء لصحتنا (وقد يتسبب بمرضنا) يمكننا السلامة منه بالبحث عن المتغيرات التي سببت ظهوره.