الكاتب يجب أن ينشر. الكاتب يجب أن يقرأ. من القراءة الأولى للمقدمة التعريفية لفيلم (The Wife) المقتبس من رواية تحمل الاسم نفسه للكاتبة جاين أندرسون، يخيل للمشاهد أنه أمام قصة تقليدية. قصة زوجين مضت على زواجهما ثلاثة عقود. الزوج – جون كاسلمان - مؤلف روايات مشهور في الأوساط الأدبية الأميركية والعالمية، وزوجته – جوان كاسلمان – تدعمه وتشد من أزره، وقد تكون ملهمته والدافع الرئيس لإبداعه. الزوجة التي يتباهى بها في كل محفل وفي كل مناسبة بأنها السبب الرئيس لإبداعه، ولولاها لم يكن هناك وجود لرواياته. وكعادة كل مبدع يرغب في تخليد عمله، يتلقى جون كاسلمان المكالمة الأهم، التي انتظرها طوال حياته، والتي لا نبالغ إذا قلنا إنها تمثل "نقطة التحول" في مسيرته الأدبية وفي الفيلم كله. المكالمة التي تخبره بفوزه بجائزة نوبل للآداب لعام 1992، وذلك "لتحديه النموذج الروائي بطرق مختلفة ستؤثر في الأجيال القادمة"، وأنهم سيسعدون لاستقباله في ديسمبر في العاصمة السويدية ستوكهولم لتلقي الجائزة من الملك في احتفال مهيب يليق باسم الجائزة والفائزين. الجائزة التي عبر الزوجان عن فرحتهما بها بطريقتهما الخاصة، التي اعتادا عليها منذ نشر كتابه الأول، بالقفز على السرير متماسكين بالأيدي، ومردداً هو بصوتٍ عال: "أنا فزت بنوبل، أنا فزت بنوبل". القصة اعتمدت على تقنية "الفلاش باك" في تسليط الضوء على بداية تعارف الزوجين أحدهما على الآخر وعلى علاقة الزوجين معا بعد مرور ثلاثين سنة، وعلى المشاهد تخيل العلاقة التي كانت تربطهما في المنتصف. جون كاسلمان الأستاذ الجامعي - المتزوج - وطالبته جوان التي وقعت في حبه وواجهت المجتمع ووالديها الرافض لعلاقتهما؛ لكونه "كاتبا" و"يهوديا" لكن علاقتهما كانت أكبر من أن تكون مجرد نزوة أو إعجاب متبادل ينتهي بنهاية اليوم. علاقتهما كانت أكبر من جميع العوائق، وأشمل من أن يكون لها تصنيف، علاقتهم كانت "شراكة" في كل شيء. شراكة كانت كفيلة بأن تجعل شعلة زواجهما وشراكتهما لن تنطفئ أبداً. يظهر الفيلم كيف بدأت طموحات جوان الأدبية في الستينيات الميلادية وكيف تم وأدها في مهدها بسبب نصيحة تلقتها من كاتبة أخرى بأن لا تضيع وقتها في الكتابة، فالعالم الأدبي مسيطر من قبل عالم الرجال. فهي لن تستطيع النجاح، وما ستكتبه لن يلامس النور؛ كون الكاتب امرأة؛ لذا اكتفت بالعمل كقارئة في دار للنشر التي صادف أن أصحاب الدار يبحثون عن كاتب "يهودي" فتزج هي بدورها "جون كاسلمان" لكي يكون الكاتب اليهودي الوحيد لدى الدار. نقطة التحول في حياتهما كانت عندما قامت جوان بمساعدة جون على تعديل النسخة الأولى من كتابه، ومن هنا بدأت "الشراكة". أثر الحركة النسوية الأميركية واضح جداً في الفيلم. فالمرأة عندما تخيّر بين الحب والزواج وبين المجد والعظمة الشخصية، فماذا ستختار؟ هل اختارت جوان أن تضحي بمجدها الأدبي عن قناعة لأنها مؤمنة بالشراكة مع جون، أم لأن الظروف أجبرتها على أن تنشر إبداعها الأدبي باسم زوجها؟ أيضاً، كان هناك قليل من الإسقاط على الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون وزوجته هيلاري كلينتون كأن لسان حال المؤلف يقول إن هيلاري نسخة أخرى من جوان! الفيلم اعتمد على عظمة وخبرة طاقم الممثلين "جلين كلوز، جوناثن برايس، كريستيان سلاتر... إلخ" من دون أي مساعدة من أي تقنية حديثة. جلين كلوز أبدعت كعادتها في تقمص الشخصية. كل إيماءة، نظرة، كلمة، ابتسامة لها معنى عميق جداً في القصة، ولولاها لفشل الفيلم فشلاً ذريعاً. جلين ترشحت للأوسكار 2019 عن فئة أفضل ممثلة، ومتأكدة من نيلها للجائزة؛ لأنها تستحق التكريم والفوز نظراً لمشوارها الفني الرائع. بلا مبالغة، أفضل فيلم شاهدته لهذا العام هو فيلم The Wife.