إذا ما علمنا أن الدين له مسلّمات لاتقبل المساس بحال، وثوابت هي أصل الديانة، والميل عنها خروج من رِبقة الدين كأركان الإسلام والإيمان، وأن هناك مساحة أخرى شاسعة الغور، هي ما يخص شؤون الناس وحياتهم، وكان الله جل في علياه لو أراد لهذه الأمور أن تكون من المسلّمات التي لا تقبل المساس لأنزل فيها نصًا صريحًا لا يقبل الغموض ولا المجادلة، كنصوص وجوب أركان الإسلام وتحريم الموبقات، ولكن لعلمه وقدرته التي لا تُحصى جعل هذه الأمور مثار جدل ونقاش وراجح ومرجوح، لعلمه الأزلي أن حياة الناس وأنماط المعيشة وضرورات الحياة تتغير مع كل جيل، وأن البشر تتغير نظرتهم ومعاملاتهم كل ما مرت السنوات والأزمنة.. ومن هذه الحكمة التي تتجلى لمن أمعن النظر فيها وتدبر وتفكر، ستخف عنده حدة ووطأة سلطوية الرأي، وسينظر للأمور أنها حياتية صرفة، وليست من المسلّمات التي لا تقبل المساس، فمسائل كثيرة أرهقت كواهل العلماء، واستنزفت طاقات الأتقياء، وخلقت صراعات دوامة أظهرت طوائف شتى أججت نار العداوة بينها حتى أضحت مسارح العالم الإسلامي بؤرًا للنزاع، وإن من الحكمة أن يُنظر لولاية الرجل على المرأة على أنها من هذا النوع من القضايا.. فقضية الولاية ولتعدد وجوه وأساليب المانعين ومخالفيهم، كان من الأحرى أن تقرر المسألة من هذا الوجه، فالحالة العصرية ونمط حياتها، يختلف كليًا عن ما كان موجودًا في أزمنة سالفة، وهذا هو لب القضية كلها، فليست المسألة كما يبررها البعض تنازلات عن القِيم، بل هي نقاشات حول جدواها وواقعيتها في ظل غياب النصوص الدامغة لحصر الولاية في حيّز المسلّمات.