نشر أحد المستخدمين على "فيسبوك" قبل عدة أشهر، صورة مؤلمة لطفل أفريقي مقتول؛ حيث تظهر آثار جروح عميقة على رأسه ووجهه.. وفيديو لرجل أفريقي شُجَّ رأسه بآلة حادة، وصورا لبيوت محرّقة ودماء وأشلاء متناثرة على الأرض.. ووصفت بأنها مقابر جماعية قتل فيها نساء وشيوخ حتى الأطفال في أسرّتهم. وأكّد آخرون أن هذه الصور لمذبحة ما زالت قائمة في منطقة (غاشيش) بولاية بلاتو في نيجيريا؛ وأن مسلمين هم من يقتّلون هؤلاء المسيحيين، الذين يمثلون أقلية عرقية في تلك الولاية. واستعرض أحدهم أرقاما تشير إلى أن عدد القتلى يصل إلى 238 تقريبا، وذلك وفقا لتقديرات الشرطة ومصادر موثوقة! وردت هذه القصة الخبرية جزءا من تقرير نشرته أخيرا ال"بي بي سي" على موقعها، تناولت فيه "الأخبار المزيفة في 2018"؛ التي ذكرت أن تلك القصة كانت مختلقة! فالحقيقة هي أن صورة الطفل ليس لها أي صلة بعنف في تلك الولاية، بل إنها نُشرت قبل هذه المذبحة المزعومة بعدة أشهر؛ وكانت ضمن حملة دعت إلى "تخليص المجتمع من قتلة الطفل البريء"، الذي قتل في حادثة سابقة آنذاك! وأما فيديو الرجل المعتدى عليه بشكل وحشي، فقد تم تسجيله في الكونغو على بعد ألف ميل من نيجيريا وفي عام 2012! لا شك أن الاعتماد على الأحداث المأساوية أو المثيرة للجدل وقولبتها بشكل يخدم مصالح جهة أو جماعة ما يعتبر أمرا خطيرا؛ حيث يستخدم سلاحا إعلاميا فتّاكا؛ خصوصا أنه يعمل على استمالة عواطف المتلقين، وإثارة مشاعر الغضب أو الخوف أو الحزن لديهم؛ لتطغى على عقولهم، التي قد تجد نفسها عاجزة عن فحص المعلومات والربط بينها للتأكد من صحتها! وما يعزز من خطورة هذا الأمر تكرار نشر القصص المفبركة حول قضية ما وبثّها من خلال قنوات متعددة وبأشكال صحافية مختلفة. ومما قد يثبت ذلك تجربة "اليد الزائفة" fake hand experiment التي يستند عليها بعض الباحثين في موضوعات الأخبار الزائفة وتأثيراتها، وهي تجربة نفسية عصبية ينفذها اليوم عديد من المستخدمين في "يوتيوب"، ويطبقونها على أناس مختلفين –وبدافع التسلية أحيانا!- لنشرها في شبكات التواصل الاجتماعي؛ حيث يأتي أحدهم بمتطوع يطلب منه وضع يديه على الطاولة؛ ثم يحجب يده اليسرى بحاجز ليضع يدا بلاستيكية مكانها إلى جانب اليمنى. فيمسح بعد ذلك اليسرى والزائفة بفرشاتين مرات عديدة في الوقت نفسه؛ ثم ينبهه بأنه سيضرب البلاستيكية بالمطرقة أو أنه سيوخزها بإبرة! والنتيجة الغريبة لهذه التجربة؛ أنه عند ملامسة المطرقة أو الإبرة لليد الزائفة ستفاجئ بالمتطوع يسحب يده اليسرى ويخبئها خوفا! وكل من خاض تلك التجربة يؤكد أنه كان يشعر وكأن اليد البلاستيكية يده الحقيقية! والعبرة هنا هي أن تعرض المتلقي بشكل متكرر للأخبار المفبركة حتى إن علم زيفها؛ فإنه في مرحلة ما قد يتأثر ببعضها كونها معلومات تتراكم وتختزن في عقله اللاواعي؛ الأمر الذي يقوده إلى تبني قناعات أو سلوكيات قد تكون مدمرة لمجتمعه ووطنه! وأنا على يقين بأن كل ما ينشر الآن من تحذيرات حول الأخبار الزائفة غير كاف؛ فلا بد من التحذير المستمر من أساليب التزييف والتضليل الإعلامي، وتقديم المعارف والنصائح لمواجهته؛ فنحن اليوم في أمسّ الحاجة إلى ذلك في وقت لا يدّخر فيه المتربصون بوطننا جهدا لتزييف الحقائق. أكاديمي وباحث في الإعلام