كشف كلاوس شفاب، مؤسس المنتدى الاقتصادي العالمي، أن طفولته التي عاشها في ظل الحرب العالمية الثانية دفعته إلى التفكير بتأسيس منظمة قادرة على تحويل العالم إلى مكان أفضل. ولا شك في أن مؤسسته التي تستضيف أشهر شخصيات العالم وأكثرها نفوذا وثراء في اجتماعها السنوي في منتجع دافوس السويسري الشتوي الذي ينطلق اليوم ويستمر حتى 25 من شهر يناير الجاري. لكن الشكوك تزايدت حول ما إذا كانت المنظمة تحقق هدفها المعلن وهو "تحسين حال العالم" في ظل تصاعد الاستياء حيال أجندة دافوس الداعمة لقطاع الأعمال وميل الناخبين للتصويت لقادة شعبويين. وبين الانتقادات الدائمة أن اجتماعات المنتدى الاقتصادي العالمي، بما في ذلك الاجتماع السنوي الذي سيجري في دافوس هذا الأسبوع، خلقت بكل بساطة فضاء آمنا لعالم الأعمال لكي يضغط على الحكومات دون رقابة. وكان شفاب، الذي ولد في بلدة رافنزبورغ الألمانية في العام 1938 استاذ في إدارة الأعمال في جامعة جنيف عندما أسس العام 1971 "منتدى الإدارة الأوروبي" الذي مهد الطريق لإقامة المنتدى الاقتصادي العالمي، ووسع لائحة الحضور لاحقا عبر دعوة قادة عالم الأعمال الأميركيين، فشكّل قائمة مرموقة محولا التجمع إلى مناسبة لإقامة شبكة علاقات وتبادل الأفكار. وفي كتاب صدر في العام 2018، أرّخت استاذتان من جامعة ستوكهولم عملية تطور المنتدى الاقتصادي العالمي مع انضمام سياسيين تدريجيا إلى رجال الأعمال في دافوس، ما أضفى طابعا أمميا على المنتدى مع وجود عدد من المشاهير على قائمة الحضور. وكتبت كل من كريستينا غارستان وآدريين سوربوم في كتابهما "السلطة الخفية: كيف يشكل المنتدى الاقتصادي العالمي أجندات السوق" أنه "على وقع ما يعد قصورا في مؤسسات الحوكمة العالمية وتعثر صناعة السياسات الدولية، يقدم المنتدى الاقتصادي العالمي نفسه على أنه يوفر بديلا". وعلى مدى السنوات، ولّد النجاح مزيدا من النجاح للمنتدى الاقتصادي العالمي حيث يسعى أصحاب النفوذ لقضاء الوقت مع بعضهم البعض في جبال الألب السويسرية وهم يشاركون في حلقات نقاش ويقيمون علاقات اجتماعية بعد التزلج، وانضمت اجتماعات إقليمية جديدة لبرنامج دافوس. وقالت سوربوم لوكالة فرانس برس: إن سلطة المنتدى "الهشة" تقوم على معادلة مفادها أنه "إن كنت تريد أن تكون جزءا من الطبقة الراقية العالمية، فلا بد لك أن توجود هنا". وقالت: إن المنظمة تبدو وكأنها تقدم شيئا تفتقر إليه هيئات دولية أخرى، مكان يجتمع فيه قادة الأعمال التجارية والحكومات "ليخرجوا ببعض الأفكار الجيدة". لكنها نوهت إلى أن لذلك "جوانب مقلقة". وكتبت غارستن وسوربوم أنه مع قدوم عشرات رؤساء الدول والحكومات إلى دافوس كل عام، يمكن النظر إلى المنتدى الاقتصادي العالمي على أنه هيئة "لا تملك تفويضا قانونيا للتأثير على الحوكمة العالمية بعد، لكنها تطمح لذلك". بدوره، يشير أوليفييه كلاسن من منظمة "بابليك آي" السويسرية غير الحكومية، التي قادت التظاهرات والحملات الأخرى المناهضة لاجتماع دافوس إلى أن المنتدى الاقتصادي العالمي لطالما كان "معتمدا بشكل كامل" على الشركات الألف التي تموله. وتتراوح رسوم عضوية المنتدى، ما يعادل 60 ألفا إلى 600 ألف دولار تسمح لممثلي الشركات بحضور دافوس وغيره من الاجتماعات على مدار العام. وقال كلاسن: "يبدو أن لدى شفاب قناعة ثابتة أن جعل الناس يتحدثون إلى بعضهم البعض هو هدف يبرر كل شيء". وأضاف، "ما لا يدركه هو أنه عندما تكون لدى أغلبية هؤلاء الأشخاص مصالح تجارية، يصبح الأمر برمته مجرد بتعلق بإبرام الصفقات لا أكثر". لكن مونك يؤكد أنه بالنسبة للمنتدى الاقتصادي العالمي، فإن "مشاركة أصحاب المصالح المتعددة تعني احترام آراء ومصالح الآخرين". وتفيد تقارير أن اجتماع دافوس واجه تهديدا وجوديا مطلع الألفية بعدما نفد صبر السكان المحليين جراء الاحتجاجات المتواصلة. وردا على ذلك، فتح شفاب الاجتماع أمام مجموعات المجتمع المدني وأتاح لوسائل الإعلام توسيع حضورها في الحدث الذي كان يعقد بمعظمه في السابق خلف الأبواب المغلقة. وقال رئيس تحرير مجموعة "بليك" الإعلامية السويسرية كريستيان دورير الذي سُمح له مؤخرا بالوصول إلى شفاب لكتابة نبذة عنه في خطوة نادرة، إن التحرك لم يكن "طوعيا". وأوضح دورير لوكالة فرانس برس أن شواب "أدرك أن عليه القيام بذلك وإلا فسيموت المنتدى"، مضيفا أن مؤسس المنتدى الاقتصادي العالمي تغير على مدى السنوات. وقال "كان مرتبطا بعالم الأعمال فقط، لكنه بات الآن أكثر انفتاحا". وذكرت سوربوم أن بحثها أظهر تسامح المنظمة مع المعارضة إلى حد ما. إلى ذلك أظهر تقرير صادر عن منظمة أوكسفام البريطانية غير الحكومية المعنية بمكافحة الفقر في العالم أن إجمالي ثروات المليارديرات في العالم زاد بمعدل 2,5 مليار دولار يوميا خلال العام الماضي، ودعت إلى ضرورة زيادة الضرائب على الأثرياء من أجل تقليل الفجوة بين الأغنياء والفقراء. وبحسب التقرير فإن ثروات أغنى 2000 شخص في العالم وفقا لمجلة فوربس الأميركية زادت بنسبة 12 % في حين تراجعت ثروة النصف الأفقر من سكان العالم وعددهم 3.8 مليار نسمة بنسبة 11 % خلال العام. ونشرت منظمة "أوكسفام" تقريرها اليوم الاثنين قبل يوم واحد من بدء أعمال المنتدى الاقتصادي العالمي في منتجع دافوس السويسري حيث يجتمع قادة العالم السياسيون ورؤساء كبرى الشركات العالمية في يناير من كل عام. وقالت "ويني بيانيما" المدير التنفيذي لمنظمة أوكسفام "الشعوب في مختلف أنحاء العالم غاضبة ومحبطة.. على الحكومات القيام بتغيير حقيقي يضمن دفع الشركات والأثرياء نصيبا عادلا من الضرائب"، حيث يمكن استخدام هذه الأموال في الإنفاق على التعليم والصحة وإخراج الناس من دائرة الفقر. في الوقت نفسه اعترف تقرير منظمة أوكسفام بانخفاض عدد الذين يعانون الفقر المدقع بمقدار النصف خلال الفترة من 1990 إلى 2010، ثم تراجع منذ ذلك الوقت إلى 736 مليون نسمة في مختلف أنحاء العالم. كما أشارت إلى تراجع معدلات الضرائب على أصحاب الدخل المرتفع في الدول الغنية خلال العقود الماضية. وذكرت المنظمة الدولية إلى أن دفع أغنى 1 % من سكان العالم 0,5 % ضرائب إضافية على ثرواتهم يعني توفير أموال إضافية تكفي لتعليم 262 مليون طفل لا يستطيعون الذهاب إلى المدارس في الوقت الحالي.