لم تعد معارض الكتب التي تقام على أرض المملكة فقط دور نشر تجتمع لتبيع إصداراتها، بل أصبحت هذه المعارض منصات ثقافية وفكرية واجتماعية، وتجمع ثقافي دولي تنصهر فيه ثقافات متنوعة وتتلاقح مع بعضها البعض في مكان وزمان واحد، كان لها دور مهم جداً في التواصل الحضاري بين المجتمعات، وبين الثقافة السعودية وسائر الثقافات الأخرى التي تتعرف على بعضها البعض وتنهل من بعضها البعض المعرفة والعلم والثقافة والازدهار والتطور بالنقل أو المحاكاة. هذه التجمعات المتلخصة في معارض الكتب السنوية التي تقام في جدة والقصيم والعاصمة الرياض هي أكثر عمقاً وأكثر تأثيراً من مجرد معارض لعناوين جديدة تصطف دور النشر لعرضها بهدف الكسب المادي. التقت الرياض عدداً من المثقفين والمهتمين بالشأن الثقافي الذين تحدثوا عن أهمية مثل هذه المعارض في هذا الحيز.. علم ومعرفة تحدث وكيل وزارة الثقافة اليمنية بدر الصلاحي قائلاً: تعد معارض الكتب عالماً مصغراً غنياً بما يحويه من كتب ثقافية ومراجع علمية من كل الدول، كذلك تعريف زوار المعرض من الجنسيات المختلفة بثقافات العالم المتنوعة. وأهمية المعارض الثقافية تكمن في التقاء الحضارات من كل بلدان العالم، وبثقافاتها المتنوعة، ونشر ثقافة السلام والتواصل الإيجابي بين الشعوب والتعرف على ثقافات العالم من خلال المشاركين في المعرض، ومنها الثقافة اليمنية التي حظيت بزيارة جناحيها الثقافي والفني ومشاهدة الفقرات الفلكلورية على مسرح «كتاب جدة» لهذا العام من كل الجنسيات ومن كل الفئات العمرية، واستطعنا من خلاله التعريف بثقافتنا وتراثنا الحضاري الذي كان الكثير يجهله وهذا بفضل من الله ثم القائمين على هذا المعرض الذين قدموا لنا كل التسهيلات. وأضاف الصلاحي: ففي مثل هذه المعارض التي تكتسب أهميتها من خلال ما تحتويه من الكتب والمراجع العلمية والتي اختصرت على الباحثين وعشاق المعرفة الطريق، ووفرت لهم كل ما يبحثون عنه تحت سقف واحد. والجميل أنها لا تستهدف فئة عمرية بل كان معرضاً متكاملاً، وهذا ما لفت انتباه الزوار، فالأسرة كانت حاضرة بكل أفرادها صغاراً وكباراً ومن كل الجنسيات. وكان هناك جناح الأطفال كان أحد أبرز الأجنحة بتنوع ما احتواه من برامج تعليمية وترفيهية، وإظهار المهارات وهذا يغرس في قلوبهم حب المعرفة والاطلاع فنحن بحاجة إلى جيل مثقف محصن من الأفكار الضالة. ساحة تعارف وقال الدكتور عبدالله السلمي رئيس نادي جدة الأدبي: لاشك أن معارض الكتب تخلق نوعاً ومساحة من المعرفة والثقافة وبفضل الله نحن في مجتمع يقبل على الكتاب ويقبله مهما كانت الانشغالات والمغريات ومهما كانت المعطيات المعاصرة والحديثة هذا في جانبنا المحلي وقد شهد بهذا كل من يشارك في معارض الكتب داخل المملكة من الناشرين وأصحاب المكتبات بالقوة الشرائية التي تحظى بها معارض الكتب في المملكة، أما فيما يتعلق بالمشاركات الخارجية فلا شك أيضاً أن معرض الكتاب يجب أن يوظف ليرسم جسوراً تواصلية معرفية ثقافية مع العالم أياً كانت مساحات هذا العالم، جميل جداً أن تكون هناك كل سنة ضيف شرف ففي معارض الكتاب في الرياض يأتي ضيف شرف سنوياً ويكرم ويشارك. ويجب أيضاً أن تبنى جسور تواصلية بحيث إن جزءاً من المعرض لناشرينا المحليين وللمؤلفين السعوديين ينتقل إلى هذه الدول في مناسبات ممثالة هذا لا شك أنه عامل من عوامل التواصل، وله مردود كبير جداً. نحن في أمس الحاجة إلى أن نتواصل مع الآخر إلى أن نبني جسوراً مع الآخر إلى أن نبحث حتى عن الدول ذات الهامش الصغير وليس بالضرورة الدول الكبرى يعني لا أتحدث عن أميركا أو عن أوروبا إنما أتحدث عن دول أفريقيا ودول آسيا أتحدث عن بنجلادش أتحدث عن إندونيسيا أتحدث عن أثيوبيا أتحدث عن الجابون، دول سواء كانت في الشرق أو الغرب لماذا لا نبني لدى هذه الدول مكنوزات ثقافية وفكرية وتأليفية وإبداعية. وأيضاً لدينا نحن ما يمكن أن يصل إلى هذه الدول. واسترسل السلمي:هذه الدول في نظرتنا التي اتسمت في أذهاننا أنها مجرد عمالة أو مجرد بلدان مصدرة للعمالة بالمهن، لكن في حقيقتها تملك قدراً كبيراً جداً من أساتذة الجامعات والأدباء والمثقفين والشعراء، وهؤلاء يجب أن نستقطبهم وأن نزورهم أيضاً وأن يزوروننا وأن تكون فعلاً أيام معارض الكتب تظاهرة ومهرجاناً وكرنفالاً ثقافياً يتجاوز حدود عملية البيع والشراء، ويتجاوز حدود عرض الكتب في الأرفف. ويكمل: النشاط الثقافي المصاحب جميل لكن أيضاً يحتاج إلى ضخ ويحتاج إلى تفاعل ويحتاج إلى تأثير فاعل من حيث الدعاية الإعلامية، ومن حيث الناقل التلفزيوني ومن حيث المسارح المجاورة لأماكن معارض الكتب يجب علينا أيضاً أن نعيد النظر فيها بحيث تكون مهيئة لتلبية كل مايريده المهتمون بالثقافة، يفترض أن تكون هناك دور للسينما وللمسرح وللعرض الإيجابي، وللندوات والمحاضرات والمطارحات والمناظرات وللتوقيعات والدورات والورش الدائمة. أيضاً يجب أن تكون لدينا حزم ثقافية تصنع الإنسان السعودي، وأيضاً توصل الإنسان السعودي إلى الآخر بعملية تبادلية. ويجب أن نشارك في معارض الكتب الدولية وأن تدعى المؤسسات الثقافية والأندية الأدبية والمكتبات العامة ومكتبات الجامعات وأساتذة الجامعات لأن يكونوا حاضرين على شكل وفود على شكل زوار على شكل متحدثين على شكل محاضرين. يعني أن عملية التبادل وبناء الجسور مع الآخرين أمر ضروري وأظن العنوان الأبرز هو معرض الكتاب كغلاف خارجي لكن في داخله يمكننا أن نتحرك لأن لدينا مايمكن أن نقدمه للآخر ولدى الآخر مايمكن أن نطلع عليه وأن نتفاعل معه ونستفيد منه. فعاليات وتفاعل ويؤكد الكاتب الدكتور يوسف حسن العارف أن معارض الكتب الدولية لها من اسمها أكبر النصيب ف (دولية) تعني أن يجد القارئ والعاشق للكتب بغيته من دور نشر عالمية ومحلية وإقليمية. وإذا فقدت المعارض هذه الصفة والميزة افتقدت التواجد الكبير للقراء والباحثين. وقال: إن المشاركات الدولية في معارض الكتب صورة حضارية دأبت عليها كل المعارض الدولية، ويؤخذ على معرض جدة في دورته الرابعة عدم وجود دولة شرف مستضافة. ولا دور نشر أجنبية، ولا ضيوف أو مشاركين من بلاد غربية أو غيرها، ولعل للمنظمين عذراً في ذلك آملين أن نتلافى هذه الملاحظة في الدورات القادمة. وقد شعر المثقفون الزائرون للمعرض بخيبة أمل في هذا الجانب، ولكنهم عوضوا هذا النقص بالفعاليات الثقافية المتميزة ومنها المشاركات الفلكلورية لبعض الدول الصديقة كالسودان واليمن والأردن وغيرها. الوعي الثقافي ويرى الإعلامي د. محمد أحمد صبيحي أن الجميل في هذه المعارض هو وجود الكثير من دور النشر والكثير من الدول المشاركة سواءً عربية أو أجنبية وهذا كان له دور كبير في التعريف بهذه الدول، وكانت فرصاً للآخرين لمعرفة هذه الثقافات المتعددة سواءً لما قدمته هذه الدول من برامج ثقافية ومعروضات لبلدانهم وهذا من الأشياء الجميلة والإيجابية لمعارض الكتب. ويضيف: من خلال خبرتي الطويلة وزياراتي لكثير من المعارض خاصة خارج المملكة، لم أشاهد مثل معرض جدة الأخير سواءً من ناحية التنظيم أو الاستقبال الجميل والتنقل الميسر ووجود هذا الكم الكبير من الشباب والشابات اللذين تزاحموا لتوقيع إصداراتهم الجديدة، وهذا يجعلنا نتساءل كثيراً برغم وجود وسائل التواصل الاجتماعي والتي غزت العالم بأن هناك من لا يزال يهتم بالكتاب والكتابة وهذا يعود للوعي الثقافي لأبناء البلد وبالتالي سيعود على الوطن بالنفع الكبير. عطاء فكري الشاعر السوداني أحمد ادريس يتحدث ل»الرياض» قائلاً: معارض الكتب هي مهرجان سنوي للثقافة والمثقفين والمحبين للكتاب الذي يحمل بين دفتيه أفكار العقل البشري وإبداعات العطاء الإنساني. وهي الجسر الفكري الممتد بين طوائف البشر وأطيافهم المختلفة والذي من خلاله يعبرون إلى عالم المعرفة المذهل والتعرف على الرؤى المختلفة. ويوضح: كما أن معارض الكتاب هي سفير بلا سفارة، ورغم وجود وسائل التواصل الاجتماعي والانكباب عليها مازال الكتاب هو صاحب السعادة وسيد الموقف. مازال الكتاب هو سبيل التواصل الفكري الأكثر صدقاً ووثائقية. ومن هنا تأتي مدى أهمية معارض الكتب التي تجمع عصارة الأفكار لأمم ربما لن تتعرف عليها إلا من خلال كتاب تقرأه عنها. لذا فإن المشاركات المختلفة لشتى الدول سواء عربية أو أجنبية تعطي نكهة معرفية مميزة لمعرض الكتاب وتثري العطاء الفكري الإنساني. كما أن هذا التنوع العربي العالمي يفتح آفاقاً فكرية رحبة للمثقف كما أنها تزيد من معارفه وتخلق تواصلاً لا مرئياً بينه وبين الآخرين وتعزز ثقته بنفسه في معارفه المتعددة التي اكتسبها من الكتب التي حملتها له معارض الكتب. إن للكتاب رهبة ومحبة. إن تقدم الأمم يقاس بثقافاتها وفنونها. قل لي ماذا تقرأ أقل لك من أنت؟. ويختتم: معارض الكتب ينتظرها المثقف بشوق وشغف شديدين كل عام. مساحة تواصل وتعد الكاتبة والناشرة دلال راضي إن معارض الكتاب من أبرز جوانب التواصل والتكامل الثقافي محلياً ودولياً، ومظهراً مهماً للتواصل والالتقاء والانفتاح على الآخر.. فهي تظاهرات ثقافية كبرى تجمع الكتب والناشرين والقُراء على اختلاف مشاربهم وتخصصاتهم وبلدانهم تحت سقف واحد، فتخلق بذلك مساحة للتواصل المباشر مما يشكل فرصة حقيقية للتعارف وتعزيز العلاقات والروابط الثقافية والأدبية والمعرفية، وتبادل الخبرات والتجارب سواء بين الأفراد أو بين مؤسسات النشر المشاركة المحلية منها والخارجية مما يجعل من هذه المعارض مواسم ثقافية تجسد مدى الترابط الثقافي والإبداعي على مختلف المستويات المحلية منها والعربية والعالمية. وقالت: بصفة عامة تعد ربحاً ثقافياً ثميناً للقُراء والباحثين فهي تجعل مختلف الكتب والمعارف في متناول أيديهم، وتولد فضاءات واسعة للنقاشات والحوارات المباشرة والهادفة بينهم وبين الكُتاب والناشرين من خلال الندوات والفعاليات واللقاءات المختلفة والتي عادة ما ترافق معارض الكتب وتجعل لإقامتها أبعاداً تتجاوز النظرة القاصرة لهذه المعارض من كونها مجرد سوق مشتركة لعرض الكتب وبيعها. وتضيف: لذلك تبقى هذه المعارض من الأهمية بمكان لدى الكاتب والناشر على حد سواء، فهي فرصة للتواصل المباشر، وتبادل الخبرات والتجارب بين دور النشر المختلفة ناهيك عن الفائدة الاقتصادية العائدة على هذه الدور من خلال مبيعات الكتب، وأيضاً الجانب الدعائي المرافق فأغلب دور النشر تجد في هذه المعارض فرصة لطرح ما لديها والتعريف بنفسها في الأماكن والدول التي تقام فيها هذه المعارض وبين الجمهور الحاضر فيها خصوصاً عندما يكون هذا الجمهور كبيراً ومهتماً ومن مختلف الدول. كما أن المؤلفين على مختلف مشاربهم وتخصصاتهم يجدون في هذه المعارض فرصة للاحتفاء بمؤلفاتهم وإشهارها وتداولها من خلال منصات التوقيع، وكذلك الندوات والفعاليات واللقاءات المرافقة لهذه المعارض والتي تأتي على هامشها وبالتالي تخلق بيئة مثالية للتواصل والالتقاء والتعارف بين المبدعين من الداخل أو الخارج مما يشكل إضافات مهمة للمشهد الثقافي بكافة جوانبه فلا ثقافة دون قراءة ولا قراءة دون كتاب. الصلاحي: تعريف بالتراث والثقافة السلمي: جسور للتواصل المعرفي العارف: صورة للتمازج الحضاري صبيحي: نفع كبير للوطن وأهله إدريس: سفراء بين أطياف البشر راضي: تكامل ثقافي ومعرفي